-
11:24
-
11:04
-
10:45
-
10:27
-
10:26
-
10:12
-
09:55
-
09:46
-
09:33
-
09:29
-
09:10
-
08:54
-
08:44
-
08:34
-
08:14
-
07:38
-
07:22
-
07:08
-
07:00
-
06:46
-
06:20
-
06:15
-
06:00
-
05:35
-
05:13
-
04:10
-
03:23
-
02:18
-
01:15
-
00:12
-
21:00
-
20:33
-
20:20
-
20:00
-
19:37
-
19:25
-
19:20
-
19:00
-
18:40
-
18:19
-
18:00
-
17:40
-
17:19
-
17:00
-
16:41
-
16:30
-
16:25
-
16:02
-
15:50
-
15:40
-
15:27
-
15:06
-
14:49
-
14:40
-
14:37
-
14:34
-
14:23
-
14:07
-
14:01
-
13:50
-
13:40
-
13:22
-
13:00
-
12:43
-
12:33
-
12:23
-
12:06
-
11:53
-
11:39
تابعونا على فيسبوك
المدينة الحمراء: من جامع الفنا إلى قصر المؤتمرات.. ألف عام من الفرجة!
سمير بنحطة
مراكش ليست مدينة فحسب. إنها "حياة" جديرة بأن تعاش و"قصة" تستحق أن تروى. من ساحة جامع الفنا، مهد الحكاية الشفوية ومنشئها الأول، إلى قصر المؤتمرات، حيث يلتقى صناع الفرجة البصرية في المهرجان الدولي للفيلم، تنسج مدينة "البهجة" فصول روايتها الخالدة منذ ما يقارب الألف عام.
في القرن الحادي عشر تأسست مراكش. ومنذ ذلك الزمن، ظلت المدينة وفية لنف سها الحكائي كأنها فيلم حالم لا يزال يعرض في الأزقة والأحياء والشوارع والساحات منذ عشرة قرون.
وشأن أفلام الكوميديا الرومانسية، ذات النهايات السعيدة، تنتصب المدينة - الفيلم كمنجز سينمائي يتداخل فيه الخيال بالواقع وتسيل مشاهده المتوالية بالرقة والعذوبة ومشاعر الحب الجامحة.
إنها مراكش، وانتهى السؤال. حالة شعورية وادعة عصية على الفهم، تجتاح الزائر دون استئذان. ولعل ذلك ما يفسر - كما يؤكد كثيرون - كيف علقت في حبائلها شخصيات مؤثرة من عوالم الفن والثقافة والرياضة والاقتصاد. دخلوا إليها، بدافع الفضول والاستكشاف، ثم لم يخرجوا منها أبدا.
يقول العارفون بتاريخ المدينة إن السر يكمن في هذا التمازج المتناغم بين ما قد يبدو في ظاهره متناقضا: التراث يعانق الحداثة، والخصوصية تشرع أياديها للكونية، وساحة جامع الفنا تساكن قصر المؤتمرات.
على خطى التاريخ، تنقاد الأقدام السائرة على أرضية ساحة جامع الفنا نحو عوالم ساحرة ولا نهائية. تصدح الساحة بالأغنيات والحكايات والأصوات تلون مجال النظر في عيون السائحين بألوان "البهجة". قطعة فنية مجتزأة من التدفق العفوي للحياة، يقول أحدهم.
يشعر الكثير من زوار الساحة أن الزمن يتوقف. ويؤكد آخرون أن زمن هذه الساحة يكاد يكون "موازيا" للزمن المعتاد. إنه سرد بصري واقعي، تتوالى لقطاته السريعة والبطيئة، والواسعة والقريبة، ويختلط فيه أداء الفنانين في "الحلقة" بحركة المرتادين، حتى تبدو الساحة أشبه بشاشة عملاقة تعرض فيلما سينمائيا.
وغير بعيد عن هذه المشاهد السينمائية، مجازا، والواقعية، حقيقة، تسري روح هذه الحكاية البصرية ذاتها في جسد معمار تقليدي باذخ، هو قصر المؤتمرات. يلتئم فيه أبرز صناع الفرجة السينمائية الحديثة في العالم. "المعنى واحد، وإن اختلفت الأشكال"، يعلق الباحث في الثقافة الشعبية شعيب العسري.
ويبدو أن مراكش، الوفية لروح الفرجة على مدار تاريخها، نجحت في استثمار أداة الحكي، بوصفها خصيصة إنسانية رافقت البشرية منذ بداياتها الأولى، في صناعة هويتها الخاصة وعلامتها المميزة.
يقول الناقد أخ العرب عبد الرحيم إن مدينة البهجة "هي مهد الصناعة الشفهية من خلال فرجة جامع الفنا. وهي الآن تمنح خصوصياتها المجالية الفسيحة، وطابعها المجتمعي الكامن في البهجة، وسماتها الإنسانية المتميزة بالفكاهة والحركية والتمسرح ولعب الأدوار، والبوليفونية اللغوية.. كوصفة سحرية لتغذية روح المهرجان".
وتنكشف الرمزية جلية في هذا المقام، تلخصها كلمتان: الاستمرارية المتجددة. إنه "المعنى"، الذي تحدث عنه الباحث بوشعيب العسري، الكامن خلف مظاهر الأشياء. في جامع الفنا، يقول العسري، "تنبعث حكايات الأمس من الرماد.. وفي قصر المؤتمرات، تتعانق أحلام السينيفيليين".
هما مساران متضافران، كما يشهد بذلك التاريخ، وبينهما جسر وصل قائم، لا يزيده توالي القرون سوى رسوخا. وهكذا، يؤكد الناقد أخ العرب، أضحت مراكش "عبر التاريخ جسرا للعبور من الحضارة الشفهية (فرجة الحلقة، وروح النكتة والدعابة) إلى الحضارة البصرية من خلال السرديات السينمائية، وتقنيات الصورة البصرية الحديثة".
وضمن هذه الصيرورة التاريخية، ينسلك المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، موظفا هذا الزخم الفرجوي التاريخي ووفيا لهذه "الروح" التي تسكن المدنية منذ انبثقت بين جنباتها ساحة عالمية ذائعة الصيت، هي ساحة جامع الفنا.
إنها، بكلمة، صيرورة متطلعة إلى المستقبل، لا تنفك ترتقي وتتطور، وليست محصلة نهائية ناجزة. وهو انتقال، متناغم مع مزاج المدينة وأهلها، من الرواية الشفوية إلى الانفتاح على صيغ الحكاية في صورها البصرية الحديثة.
ولذلك، شكلت مراكش، على الدوام، "كنزا بصريا وسرديا للسينمائيين"، كما يقول المخرج السينمائي عز العرب العلوي. أما ضوء المدينة الذهبي الدافئ، يضيف المتحدث، فيمنح اللقطات عمقا جماليا نادرا، وألوانها القوية تحول كل إطار إلى لوحة نابضة بالحياة.
ولعل الحاجة تنتفي، إزاء الواقع الذي لا يرتفع، إلى استعراض القائمة الواسعة للأفلام العالمية التي صورت في المدينة، بدء من كلاسيكيات السينما العالمية، من قبيل فيلم "الرجل الذي عرف الكثير"، لألفرد هيتشكوك في العام 1956، إلى غيره من الأفلام المعاصرة والحديثة التي أحدث بعضها فرقا كبيرا في صناعة الفن السابع.
يعلق المخرج عز العرب العلوي، قائلا إن "جامع الفنا - على سبيل المثال - بسردياته الشفوية وحكواتييه وموسيقاه، صنع خيالا مراكشيا خصبا قادرا على استقبال الحكايات المعقدة. لذلك، تعد مراكش مدينة الضوء والحكاية، وفضاء مثاليا لصناعة السينما التي تبحث عن الجمال والهوية والعمق".
وفي المحصلة النهائية، تظل مدينة "البهجة" مشرعة الأيادي، كما عهدها التاريخ، لتعانق الزائر والمقيم، وتكشف مخبوء تراثها الزاخر وما انطوت عليه فضاءاتها من كنوز تاريخية، وحكايات شعبية، وحرارة إنسانية تنضح بها عيون أهل مراكش في كل مكان.. في ساحة "الفرجة الشعبية" بجامع الفنا كما على شاشة "الفرجة السينمائية" في قصر المؤتمرات.