- 15:39تفاصيل مشروع الكابل البحري بين طرفاية وجزر الكناري
- 15:21الرئيس الصيني يُغادر المملكة في ختام زيارة قصيرة
- 15:13يونيسف تُبرز التحديات التي تواجه أطفال المغرب
- 15:08مساعدة وزير الخارجية الأمريكية تجدد دعم مغربية الصحراء
- 15:00موكوينا يستبعد اللاعب نسيم الشاذلي من لائحة الوداد
- 14:51شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com
- 14:43ندوة لوزارة التعمير تناقش تأثير الرقمنة في قطاع البناء
- 14:39الصين تمدد الإقامة للمغاربة 30 يوما بدون تأشيرة
- 14:23بيم تفتتح منصة لوجستية جديدة بمراكش
تابعونا على فيسبوك
الأستاذة "أسماء هاشم" تقدم قراءة نقدية حول رواية "دفاتر الوراق"
صدرت حديثا للكاتب الأردني "جلال برجس"، رواية جديدة موسومة بـ"دفاتر الوراق" التي يستحضر خلالها في تقاطع مريب مجموعة من الروايات المقروءة من طرف بطل الرواية "إبراهيم الوراق"، فتنعكس صورته في مرايا هذه الروايات، لتستحيل ملامحه إلى وجوه أخرى حاملة ثقافتها الخاصة، ومبادئها الراسخة. بل وملابسها وتسريحتها الموحية بنمط تاريخي وفكري محدد: إنه سعيد مهران بطل رواية "اللص والكلاب" تارة (ص 205)، و"كواريمود" بطل رواية "أحدب نوتردام" تارة أخرى (ص 266)، كما يتلبس شخصية الدكتور "زيفاكو" في الرواية التي تحمل نفس الإسم (ص 249)، ليختم مغامرته باقتفاء أثر مصطفى سعيد بطل رواية "موسم الهجرة ألى الشمال" (ص 273). و من تم نتلمس صورة مثقف مرهق: شحذه الوعي، وكبله الخوف: إذ استطاع "جاد الله" من خلال تجربته الدراسية بروسيا، طالبا بشعبة الفلسفة، أن يصوغ نظريته الحداثية للمرأة، فيجعلها تعيش استثناء مريبا بالنسبة لباقي نساء القرية.
ومن هنا يشهر" جاد الله"، عفوا، "جلال برجس" سيف حكمته في وجه التقاليد والأعراف التي تجعل المرأة أداة بيد الرجل: تقوم بخدمته، وتمثل مصدرا لتلبية رغباته، وإن كانت موافقة الأب على زواج ابنه بأجنبية توحي بظاهرها باختراق نسبي لفكر ذكوري يخيم على ثقافة المجتمع. إلا أنها في حقيقة الأمر لاتزيد أن تكون ختما في استصدار شهادة تحصرها في خانة المفعول به: "الفارس لابد له من فرس. هكذا دأب جاد الله على الرفع من قيمة زوجته، وتحسيسها بوجودها وأهميتها، منذ أول ليلة جمعتهما "أدرك أنك تنتظرين مني أن أضربك كما يفعل الرجال في هذه القرية...لهذا عليك أن تفهي ألا فرق بيني وبينك" إنه يعلنها صراحة أن حضور الرجل في المجتمع يعادل في وجوده حضور المرأة. لكن ما الذي تغير فجعله يلجم نفسه عن توعية زوجته، وتلبية نهمها في معرفة المزيد مما تعلمه، أو قرأه، أو حتى عايشه؟.
لربما الخوف من المساءلة: بدأ من تساؤلات النساء، والتي قد تعم القرية كلها "قرر الإمتناع عن قول أي شيء لمريم، واكتفى بأن يحدثها في أمور عادية فقط". رغم اعتقاده الراسخ بأهمية تجاوز النظرة الدونية تجاهها. فقد وجه ابنه إبراهيم إلى عدم مجاراة "أحمد عبد الجواد" بطل رواية ثلاثية نجيب "إن تمدد هذا النمط من الرجال سيصبح شوكة في حلق الحرية وستبقى النساء أسيرات قمعه". لكن سلطة الخوف بعد تجربته المريرة في السجن، تركت بصمتها في شخصيته. بل حتى أنها أدخلته خانة المفارقة بين الإعتقاد والفعل "ابتعدت عنه خطوات مبدية امتعاضا مما يحدث، فسحبني من شعري، ورفع يده ينوي ضربي" إلى أن جعلته يقف مجردا من مبادئه أمام "ناردا" "كفى أنت هشمت كل تاريخك حينما سمحت لجلاديك أن يسكنوك ورحت تعاقبني على ما فعله بك".
وبين دفتر وآخر يبقى الرهان قائما فـ"إبراهيم الوراق" قد تشبع بمبادئ والده، وعبر عنها من خلال مواقفه المتواثرة في الرواية، إذ نجده يمد يد العون لليلى وقد أعياها المرض، وزادت شدة البرد من ضرواته. ليكتشف أنها فتاة تتنكر بهيئة رجل. إنه المشهد الأكثر صدقا في الرواية، والذي يبين كيف أن اختزال المرأة في جسدها، قد يجعلها تتنصل من هذا الإنتماء، وتبذل ما في وسعها لتتقمص نقيضه مخافة بطش الآخر: "تنكرت لأنجو من الرجال. لكن ذلك لم ينقدني، فقد تعرض لي أحدهم، وحاول اغتصابي".
لقد أمعن السارد في ملاحقة لحظات انهيار المرأة ( ليلى، أسماء، ماجدة، ناردا) ليس لسبب سوى أن المجتمع خندق جسدها في دائرة للافعل: وعيا و تفكيرا ومبادرة وإبداعا، والفعل ثم الفعل مصدرا للشهوة فقط. لم تكن الدعارة ما تنشدها الفتيات بعد الخروج من الملجأ لتجدها السبيل الوحيد أمامها "هزمت أسماء أمام التحرش المستمر لصاحب المطعم بها... حينما رفضته... شتمها كثيرا، ثم طردها من العمل "وكذلك ماجدة " لم تصمد طويلا أمام عالم لم نكن ندري أنه على هذه الشاكلة".
لم تكن ناردا الفتاة البسيطة، والصحافية المتمرسة فيما بعد، في منأى عن هذا البطش. وبذلك تكتمل الصورة، على أن صوت الإقصاء هذه المرة لا يغادر جدران البيت، ولا يسمع صداه خارجا: حيث عانت ناردا من سلطة الأخ الأكبر "أما شقيقي رمضان فهو شرس لا يظهرعلى وجهه الفرح إلا حينما يجد نفسه قد فرض سلطته علي "وبعد حادثة افتضاح أمر فتاة كانت على علاقة بزميلها في الجامعة تغير حالها تماما، فأصبحت موضع شك دائم، مما استحال معه إعدام معنوي "لاذهاب للمدرسة". لعل هذه المعاناة المشتركة بين شخوص الرواية تميط اللثام عن ثقافة راسخة تنظر للمرأة بعين التهميش والإزدراء.
عودا على بدء، يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
النفس النسوي المدون بين "دفاتر الوراق"، لا ينفصل في جوهره عن هم المثقف العربي، الذي يشرح المجتمع منتقدا كل أشكال التهميش والإقصاء التي يرزخ تحتها المواطن العربي عامة.
هيمنة تيمة القمع "repression" والقهر "oppression" الذي تعانيه المرأة، من خلال تقييد حريتها، وعدم تمتيعها بحقوقها. وهذان المفهومان هما اللذان تبنتهما المذاهب النسوية في تحليلها للاستبداد والقهرالموجه ضد النساء، "ذلك أن مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة لا يمكن أن تفهم دون إحالتها إلى مفهومي القمع و التحرير".
مساءلة الفكر الذكوري تواجه بالخوف الذي يسيطر على المجتمع: الخوف من التقاليد، والعادات، أو من الجلاد... مواجهة مد هذا الفكر تستدعي إعادة النظر في تراثنا وثقافتنا، بما ينسجم مع تطلعات المرأة داخل المجتمع. وخلخلة المعتقدات المتقادمة. على أن هذا الرهان يجب أن ينطلق من المرأة ذاتها. وقد إلتقطت الرواية بعض المشاهد التي تظهر معاناة ليلى من المشرفة السحاقية "اغتصبتني نعم اغتصبتني. ما أبشع أن يبقى الإحساس بالمهانة يطاردك متجاوزا كل ما تبذله من جهود لتنسى".