-
21:00
-
20:40
-
20:22
-
20:15
-
20:10
-
20:00
-
19:52
-
19:50
-
19:40
تابعونا على فيسبوك
تحلية المياه..أولوية استراتيجية لتعزيز السيادة المائية للمملكة
في مواجهة إجهاد مائي متزايد، اختار المغرب رهان الحلول المستدامة. بالجرف الأصفر، على المحيط الأطلسي، تعد محطة تحلية مياه البحر التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، تجسيدا لهذا الخيار الاستراتيجي، حيث تزود هذه المحطة، التي انطلق بها العمل منذ سنة 2023، حاليا المركب الصناعي للجرف الأصفر باحتياجاته من المياه غير التقليدية، كما تلبي احتياجات الجديدة والمناطق المجاورة، وجنوب الدار البيضاء من مياه الشرب، تماشيا مع التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس في ما يخص المرونة المائية.
بهذا الميناء ذو الأحواض العميقة، المخصص للحمولات المعدنية والطاقية وغيرها، والذي يوجد على بعد 17 كلم من الجديدة و120 كلم من الدارالبيضاء، يقف الزائر بذهول أمام هذا الموقع الشاسع، أنابيب بأحجام كبيرة ومنشآت وآليات ذات تقنيات عالية، تنصب كلها في خدمة مهمة واحدة: ضمان الولوج إلى مورد حيوي مع تخفيف الضغط على السدود والفرشات المائية.
وت عد هذه المحطة جزءا من برنامج طموح أطلقته شركة "OCP GREEN WATER"، فرع مجموعة OCP، الذي يتكفل بحلول المياه المستدامة. وتعتمد هذه الشركة، المدعومة من "البرنامج الأخضر" الجديد للمجموعة، على المياه غير التقليدية لضمان مستقبل أفضل. تحلية المياه، معالجة المياه العادمة، والطاقة الخضراء، هو مسار متكامل ص مم بعناية في إطار مقاربة مستدامة شاملة.
وبفضل إنتاج 200 مليون متر مكعب من مياه تحلية البحر سنويا، ت عد محطة الجرف الأصفر حاليا أكبر موقع من نوعه في المغرب. وت سهم هذه القدرة الإنتاجية، على الخصوص، في توفير مياه الشرب للجديدة (30 مليون متر مكعب منذ يناير 2024)، وجنوب الدار البيضاء (60 مليون متر مكعب سنويا منذ دجنبر 2024).
كما تضمن الاستقلالية المائية للمركب الصناعي المحلي للمكتب الشريف للفوسفاط، بسعة تصل إلى 65 مليون متر مكعب سنويا.
وفي هذا السياق، قال المسؤول عن الإنتاج بمحطات تحلية مياه البحر "OCP GREEN WATER"، عثمان أبو سلهام، "لقد أنجزنا وحدة التحلية الجديدة المخصصة للدار البيضاء في وقت قياسي، في أقل من عام، بفضل كفاءات 100 في المائة مغربية"، مشيرا في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء إلى أنه "تم فقط استيراد المعدات التقنية".
ابتكار فعال وأخضر تميز هذا الإنجاز لا يرجع إلى السرعة في التنفيذ فحسب، بل أيضا إلى الأداء الطاقي.
وفي هذا الإطار، قال أبو سلهام "نستخدم تقنية التناضح العكسي، وهي عملية تتطلب ضغطا عاليا، ولكن بفضل نظام استعادة الطاقة، نغطي ما بين 40 و50 في المائة من الاحتياجات الطاقية لهذه العملية".
والنتيجة: إنتاج أمثل يبلغ 3 كيلوواط في الساعة، يعمل كليا بالطاقة المتجددة.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قالت فاطمة الزهراء أخريف، مديرة مراقبة المشاريع بشركة "OCP GREEN WATER" إنه "في إطار البرنامج الأخضر لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، نهدف إلى الوصول إلى سعة إجمالية تبلغ 600 مليون متر مكعب سنويا بحلول 2027".
وأضافت: "بلغنا اليوم 240 مليون متر مكعب بين الجرف الأصفر وآسفي"، مبرزة أن "هذا الرقم سيرتفع أكثر مع بدء تشغيل خط أنابيب الجرف-خريبكة بطول 200 كيلومتر".
ويساهم خط الأنابيب هذا، الذي بدأ تشغيله مؤخرا، في ضمان الاستقلالية في الماء الصناعي لمنجم خريبكة (35 مليون متر مكعب في السنة) وتزويد المدينة بالمياه الصالحة للشرب (10 ملايين متر مكعب في السنة).
إعادة التدوير لضمان الاستدامة وفي إطار مقاربتها التي ترتكز على الابتكار والاستدامة، لا تتوقف "OCP Green Water" عند عملية تحلية المياه، بل تعمل الشركة أيضا على تطوير إعادة استعمال مياه البحر المستخدمة في عملية التحلية. حاليا، توجد ثماني محطات قيد التشغيل، من آسفي إلى مراكش مرورا بالفقيه بن صالح، بقدرة إجمالية تبلغ 35 مليون متر مكعب سنويا. وقد تم تشغيل أحدث محطة في مراكش في 17 يونيو 2024، وتعالج وحدها 12 مليون متر مكعب سنويا.
وتعد هذه الإنجازات ثمرة جهود مشتركة، بتنسيق وثيق مع الوزارات المعنية والسلطات المحلية، ووحدات مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، مثل شركة JESA Manufacturing. كما أنها ترتكز على شراكة متينة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P)، التي تواكب OGW في أعمال البحث والتطوير المتعلقة بتجويد العمليات والابتكار في مجال المياه.
وأشارت السيدة أخريف إلى أن "جميع أنظمتنا مصممة للعمل حصريا بالطاقة الخضراء"، مبرزة أن "هذا الاختيار الهيكلي يعكس التزامنا بنموذج النمو الدائري، بما يتماشى مع الرؤية الملكية لمغرب قادر على الصمود في مواجهة تغير المناخ".
استراتيجية وطنية في تقدم مستمر تأتي هذه الدينامية التي تم إطلاقها في ظل حالة الجفاف المقلقة التي عرفتها بلادنا في السنوات الأخيرة، تجسيدا للاستراتيجية الوطنية للماء وتنزيلا للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى الحفاظ على الموارد المائية. في عام 2022، قامت شركة OCP Green Water بتفعيل مخطط استعجالي في وقت قياسي، لتأمين تزويد مواقعها الصناعية، بالإضافة إلى مدينتي آسفي والجديدة باحتياجاتها المائية. وشك لت هذه الاستجابة نقطة تحول مهمة، إذ لم تعد تحلية المياه حلا تكميليا، بل أضحى ركيزة أساسية للسيادة المائية للبلاد.
وفي خضم هذا النجاح، أشرف صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، على تدشين محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء، حيث انطلقت أعمال البناء في 10 يونيو 2024، بجماعة لمحرزة الساحل، التابعة لإقليم الجديدة. وت عتبر هذه المحطة الأكبر من نوعها في أفريقيا.
وتندرج محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي أطلقه جلالة الملك. وتهدف هذه المحطة إلى تعزيز وتأمين التزويد بالمياه الصالحة للشرب بالدار البيضاء الكبرى ومدن سطات وبرشيد والبير الجديد والمناطق المجاورة. وهو مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص، ويهدف إلى تلبية احتياجات مياه الشرب والزراعة بشكل مستدام في منطقة تعاني من ضغط مائي كبير.
ويشكل هذا المشروع أيضا جزءا من سلسلة من المبادرات المماثلة التي أطلقتها جهات أخرى، منها على الخصوص، جهة الدار البيضاء-سطات، التي تعمل على إحداث حوالي ثلاثين محطة لتحلية المياه، في إطار التدابير المتخذة لمواجهة الإجهاد المائي وانخفاض التساقطات المطرية خلال السنوات الأخيرة.
ويهم الأمر، 28 محطة أحادية الكتلة لتحلية مياه البحر وإزالة المعادن وتنقيتها، تهدف لضمان تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب، خاصة في المناطق القروية.
وتطلبت هذه المشاريع، التي تسهر على تنزيلها الشركة الجهوية متعددة الخدمات للدار البيضاء-سطات، تعبئة استثمارية قدرها 400 مليون درهم، موزعة بين مساهمة الدولة (272 مليون درهم)، ومساهمة الجهة (128 مليون درهم).
هكذا، في بلد حيث تعتبر كل قطرة ماء مهمة، أثبتت المملكة أن التكنولوجيا، المدعومة برؤية وطنية والتزام محلي، يمكن أن تحول إشكالية الإجهاد المائي إلى محرك للابتكار.