- 16:07الإحتفاء بذكرى انطلاق مبادرة التنمية البشرية
- 15:22بعد تنصيبه بشكل رسمي...البابا ليو الرابع عشر يتجول في ساحة القديس بطرس
- 14:56حموشي يستقبل أرامل وأبناء شهداء الواجب ويسلمهم شققا ومنحا مالية
- 14:40قتلى في اصطدام مروحيتين في فنلندا
- 14:29"مأساة السياسة تكمن في التمسّك بها حين لا يعود لذلك أي جدوى"
- 14:15أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في حفل التنصيب الرسمي للبابا ليو الرابع عشر
- 14:02مديرية الأمن تكشف عن سيارة "أمان" للدوريات الذكية
- 13:44اتفاقية تعاون بين مديرية الأمن ورونو
- 13:20اليمين المتطرف الإسباني يُمرّر مقترح لإلغاء تدريس الثقافة المغربية
تابعونا على فيسبوك
"مأساة السياسة تكمن في التمسّك بها حين لا يعود لذلك أي جدوى"
ثمّة صمتٌ أبلغ من الخُطب، وظلالٌ أعمق من الأضواء. في مسرح السياسة، بعض الوجوه تأبى مغادرة الخشبة، حتى بعدما أسدل الستار. أصواتهم، التي كانت تبعث الأمل، صارت اليوم رجع صدى باهت لمرحلة مضت. كلماتهم لا تُقنع، لكنها تصرخ. مواقفهم لا تجمع، لكنها تتصلّب. المأساة ليست في الغياب، بل في الإصرار على البقاء. في ذاك العناد الذي يدفع البعض إلى التمسك بمكان لم يعد لهم، متجاهلين أن التاريخ غالبًا ما يغيّر فصوله بصمت.
مالرو… كرامة الانسحاب
هذا ما أدركه أندريه مالرو بحدّة فكر نادرة. رجل الأدب والدولة معًا، الذي عرف دهاليز السلطة أدرك أن السياسة ليست وعدًا بالخلود، بل فنّ المرور والتسليم. قالها بوضوح جارح: "مأساة السياسة تكمن في التمسك بها حين لا يعود لذلك أي نفع". ليست هذه العبارة حكمًا قاسيًا على من تقلد المسؤولية، بل دعوة إلى الحشمة السياسية. فثمة لحظات تتعب فيها الكلمة، وتبهت فيها الصورة، ويغدو من تصدر المشهد بالأمس عبئًا عليه اليوم. وهنا لا تتوقف الذاكرة السياسية بسبب النسيان، بل تختنق من كثرة التكرار.
حين يغيب الإدراك وتبقى الرغبة
التاريخ السياسي، القديم منه والحديث، مليء بأسماء شخصيات لم تدرك أن دورها انتهى، وأن اللحظة تجاوزتها. منهم من نزل عن المنصة بكرامة، كما فعل شارل ديغول عندما غادر الحياة السياسية بعد رفض استفتائه سنة 1969. وآخرون، مثل روبرت موغابي، ظلوا متشبثين بالمقعد حتى أُسقطوا منه قسرًا. أما سيلفيو برلسكوني، فكان مثالًا لمن يعود إلى المشهد مرة بعد مرة، حتى فقدت عوداته كل معنى. هؤلاء لم يتمسكوا بمشروع، بل بصورة، باسم، بلحظة مجد يحاولون تكرارها دون وعي بأن الزمن لا يعيد نفسه.
وحتى دونالد ترامب، الذي أعاد تشكيل المشهد الأمريكي للمرة الثانية، لم تكن عودته مجرد رجوع سياسي، بل تجسيد لغضب اجتماعي وهوياتي عميق. فهو لم يعد لأن فكرته صمدت، بل لأنه التقط لحظة ارتباك مجتمعي. السلطة لا تمنح دائمًا لمن يملك الرؤية، بل أحيانًا لمن يعرف كيف يخاطب اللحظة، وغالبًا ما يكون ذلك عبر طرح انتهازي يستغل اللحظة أكثر مما يعبّر عن مشروع واضح.
سلطة تكشف أكثر مما تغيّر
كتبت هانا آرندت، الفيلسوفة السياسية الألمانية: "السلطة لا تُفسد، بل تكشف". فكرة تضع السلطة في موقع المرآة، لا في موقع الصانع. فالسلطة لا تغيّر جوهر الإنسان، بل تفضحه؛ تكشف مَن هو، لا مَن يريد أن يكون. ويبلغ هذا الانكشاف ذروته عندما يفقدها ولا يستطيع التخلّي عنها. من يتمسّك بموقعه رغم المؤشرات الصارخة على انفضاض الناس من حوله، لا يكشف عن قوةٍ كامنة، بل عن عجزٍ صارخ في فهم الزمن ومتغيراته.
بعض الشخصيات السياسية تعرف متى تنسحب بوقار، وأخرى تعود متنكّرة في أقنعة جديدة، فتحوّل الفكرة السياسية إلى عرض شخصي، وتحيل الفعل العام إلى تصفية حسابات. وهنا يفقد السياسي وظيفته المجتمعية، ويغدو مجرّد بطل مسرحي يكرّر نفس المشهد كلما خفتت الأضواء.
ظلّ مجدٍ مضى
المغرب ليس بمنأى عن هذه الظاهرة. ففي المشهد السياسي الوطني، يمكن قراءة تجربة عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق، باعتبارها نموذجًا لتلك اللحظات التي يتأخر فيها الانسحاب عن أوانه. فبعد سنوات من الحضور القوي والخطاب الحي، عاد بنكيران إلى الساحة بلغةٍ بدت، في نظر كثيرين، أقرب إلى الغضب منها إلى الإقناع، وأقرب إلى استحضار الأمجاد الماضية من استشراف المتغيرات القادمة.
خطابات متكررة، خرجات مثيرة للجدل، مواقف تحاول استعادة الحماس القديم لكن في زمن مختلف، وجمهور تغيّر ولم يعد يتفاعل كما من قبل. لم تكن المشكلة في عودته، بل في الكيفية. إذ بدا وكأن الرغبة في استعادة الصوت السياسي طغت على الإحساس بتحوّل السياق الوطني، واختلاف انتظارات الشارع، وتعقّد طبيعة التلقي المجتمعي. فالسياسة لا تُقاس بالحضور وحده، بل بقدرة الفاعل على إعادة صياغة ذاته بما يُلائم التحولات.
ولا يتعلق الأمر بشخص بنكيران وحده، بل بثقافة سياسية أوسع، تحتاج إلى إعادة تعريف العلاقة بين الزعامة واللحظة، بين التجربة والجدارة المستمرة.
السياسة… فنّ المرور لا التعلّق
لسنا هنا بصدد محاكمة أشخاص، بل بصدد مساءلة الثقافة السياسية برمّتها. السياسة، لكي تظل فاعلة، تحتاج إلى ذكاء التوقيت، وجرأة المراجعة، وفضيلة الإنصات. الزعامة لا تكتمل بالعودة، بل أحيانًا بالاكتفاء. ليست القيمة في من يصرّ على البقاء، بل في من يفسح المجال وهو في كامل حضوره، مدركًا أن البناء لا يكون بالصوت المرتفع بل بالفعل المتجدد.
التاريخ لا ينسى بسهولة، لكنه لا يغفر العناد الفارغ. والمستقبل لا يُصنع بخطاب الأمس، بل برؤية تتجاوز الذات نحو المصلحة العامة. أما عظمة القائد، فليست في عدد المرات التي صعد فيها المنصة، بل في اللحظة التي اختار فيها أن يترك الميكروفون، وهو قادر على المزيد، احترامًا لذاته، ووفاءً لفكرته، واعترافًا بأن الزمن لا ينتظر أحدًا.
تعليقات (0)