Advertising
Advertising
  • الفَجر
  • الشروق
  • الظهر
  • العصر
  • المغرب
  • العشاء

الحلقة الغائبة في طموحنا الصناعي

الأمس 12:42
بقلم: Sabri Anouar
الحلقة الغائبة في طموحنا الصناعي

يشقّ المغرب اليوم طريقه بثبات نحو بناء صناعة وطنية أكثر قوة وتنوعاً. هذا المسار ليس وهماً ولا خطاباً دعائياً؛ بل تعكسه الاستثمارات، والمنصات الصناعية، وسلاسل القيمة التي تتشكل تدريجياً.
غير أن الصناعة، في جوهرها، لا تُختزل في التجهيزات ولا في المناطق الصناعية ولا في الحوافز المالية فقط. الصناعة منظومة، قوامها الإنسان قبل الآلة، والعقل قبل المعدّة.

وهنا بالتحديد يبرز السؤال الجوهري: هل نملك اليوم المنظومة البشرية والفكرية القادرة على حمل هذا الطموح الصناعي؟

من مهندس التخصص الضيق إلى مهندس الرؤية الشاملة

عرف العالم الصناعي تحوّلاً عميقاً خلال العقود الأخيرة.
انتقلنا من نموذج مهندس القرن العشرين، الذي يشتغل ضمن تخصص تقني محدود، إلى مهندس القرن الحادي والعشرين: مهندس متعدد المهارات، متعدّد الزوايا، يجمع في تفكيره بين التقنية والاقتصاد والرقمنة والتنظيم.

هذا المهندس الجديد لا يكتفي بتنفيذ التعليمات، بل يشارك في اتخاذ القرار، ويُحلّل، ويُقدّر المخاطر، ويُسهم في خلق القيمة.
إنه مهندس يصنع الفارق، ويمنح الصناعة بعدها السيادي، لأن الصناعة لا تحتاج كفاءة تقنية فقط، بل تحتاج فهماً عميقاً لأدوات العصر.

صناعة تتقدّم… وأساس تكنولوجي مستورد

هنا يبرز أحد أكبر تناقضات النموذج الصناعي المغربي:
نعم، الصناعة تتقدم، لكن مرتكزها التكنولوجي ما يزال في جزء كبير منه مستورداً.

قد يكون هذا الأمر مفهوماً في المراحل الأولى لأي مسار صناعي. لكنه يصبح إشكالياً حين نطمح إلى الارتقاء، وإلى بناء صناعة قادرة على الصمود واتخاذ القرار والتحكّم في مصيرها.

فلا سيادة صناعية حقيقية دون امتلاك المعرفة والمهارات التي تُشغّل هذه الصناعة وتُطوّرها.

البعد الترابي: الغائب الأكبر عن النقاش

إلى جانب التبعية التكنولوجية، هناك خلل آخر لا يقل خطورة، وغالباً ما يتم تجاهله: الاختلال الترابي في توزيع الكفاءات والقدرات.

في مناطق قريبة من أقطاب صناعية كبرى، لا تزال البيئة الهندسية ضعيفة، ولا يزال النسيج المقاولاتي المحلي عاجزاً عن الاستفادة من الفرص المتاحة.
الاستثمار حاضر، لكن القيمة المضافة لا تستقر محلياً.
والسبب بسيط: غياب المهندس المندمج في المجال الترابي.

حين تُفصل الصناعة عن محيطها البشري، تتحول إلى جزيرة معزولة.
وحين يُدمج المهندس في نسيجها المحلي، تصبح رافعة حقيقية للتنمية.

التكوين ليس قطاعاً… بل ركيزة صناعية

لقد آن الأوان لتغيير زاوية النظر.
التكوين الهندسي لا ينبغي التعامل معه كقطاع مستقل، بل كأحد أعمدة السياسة الصناعية.

مقاربة صناعية ترابية متكاملة يمكن أن تقوم على ثلاث آليات عملية وواضحة:

  1. إدماج استقطاب المهندسين ضمن آليات التمويل والتحفيز الصناعي، باعتبار الكفاءة البشرية استثماراً استراتيجياً.
  2. إرساء عقود صناعية جهوية واضحة، تُنسّق بين التكوين، وحاجيات المقاولات، وأولويات كل جهة.
  3. إنشاء وحدات ابتكار محلية، تربط المهندسين بالمقاولات وبالسوق، داخل المجال الترابي نفسه.

السيادة الصناعية تبدأ من الذكاء الجماعي

الصناعة الحديثة ليست قطاعاً، بل منظومة متكاملة:
مهندس يقود،
مقاولات تبتكر،
ومجال ترابي يستفيد.

وعندما تشتغل هذه الدائرة بانسجام، تتحول السيادة الصناعية من شعار إلى واقع ملموس.

التحدي الحقيقي اليوم ليس فقط أن نُنتج أكثر، بل أن نقرّر أفضل، بكفاءاتنا، ومن داخل مجالاتنا، ولصالح جميع جهاتنا.



إقــــرأ المزيد

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) لتزويدك بتجربة تصفح جيدة ولتحسين خدماتنا باستمرار. من خلال مواصلة تصفح هذا الموقع، فإنك توافق على استخدام هذه الملفات.