Advertising

إسرائيل وإيران: سباق الردع يهدد استقرار الشرق الأوسط

10:22
إسرائيل وإيران: سباق الردع يهدد استقرار الشرق الأوسط
Zoom

منال عزات

يشهد الشرق الأوسط تحوّلاً جذريًا في معادلات القوة، بعد أن انتقل الصراع الإيراني الإسرائيلي من دائرة الحرب بالوكالة إلى مواجهة مباشرة بين دولتين. ويعتبر الخبير في الاستراتيجية السياسية، مولاي هشام معتضد، أن هذه المواجهة تمثل تدشينًا لمرحلة جديدة في البنية الأمنية الإقليمية، تقوم على منطق القوة الكلاسيكية، لا على الحسابات الرمادية.

ويضيف معتضد في تحليله أن المنطقة لم تعد أمام خطابات تهديدية أو مناورات رمزية، بل أصبحت في قلب حرب إستراتيجية، مدروسة ومعلنة، تسعى فيها كل دولة إلى ضمان بقائها عبر ميزان رعب قابل للتصعيد الدائم.

في هذا السياق، تأتي التحركات الإسرائيلية انسجامًا مع ما يُعرف بـ"عقيدة بيغن"، التي ارتكزت منذ الثمانينيات على مبدأ الضربات الوقائية ضد أي تهديد نووي محتمل. ومع التصعيد الأخير، تستحضر تل أبيب هذه العقيدة في صيغتها المحدثة، من خلال دمج قدرات استخباراتية وهجومية منسّقة بين الجيش (تساهال)، جهاز الموساد، ووحدات الحرب السيبرانية. وبالتالي، فإن إسرائيل لا تنتظر التهديد حتى يتحقق، بل تسعى إلى تحييده قبل أن يولد، وهو ما يُجسّد جوهر استراتيجيتها الردعية الموسعة.

من جهة أخرى، تجد طهران نفسها في موقع الرد لا التراجع. ويشدد معتضد على أن المسألة ليست مرتبطة بالهيبة القومية، بل بالوجود السيادي ذاته. ولهذا، اتخذ الرد الإيراني منحًى هجوميًا صريحًا، يجمع بين الضربات الصاروخية، الهجمات السيبرانية، والطائرات المسيّرة بعيدة المدى، ضمن مقاربة هجينة تهدف إلى إرباك الدفاعات الإسرائيلية عبر مساحات واسعة وغير متوقعة. ومن خلال هذا التوجه، تسعى طهران إلى فرض "ردع عمودي" يجعل أي هجوم إسرائيلي لاحق غير قابل للتحمّل.

علاوة على ذلك، لا يعكس هذا الصراع توازنات عسكرية فحسب، بل يترجم أيضًا ديناميكيات جديدة في الخارطة السياسية الإقليمية. ومع صعود تحالفات بديلة مثل مجموعة "بريكس"، وتراجع ثقل الفاعلين التقليديين كروسيا والولايات المتحدة في فرض التهدئة، تظهر فراغات استراتيجية تعيد رسم خطوط التماس. وبحسب معتضد، فإن الفاعلين الإقليميين مثل الرياض، الدوحة، أنقرة والقاهرة يعيدون تموضعهم اليوم وفق معطيات جديدة، تشمل أسعار الطاقة، انكماش النفوذ الغربي، وتصاعد دور القوى الصاعدة.

وإذا كان التفوق الإسرائيلي من حيث التكنولوجيا العسكرية ومنظومات الدفاع الجوي (القبة الحديدية، مقلاع داوود، آرو) لا جدال فيه، فإن إيران، في المقابل، تتبنى منطقًا مختلفًا، مستوحى من المدرسة الصينية في الحروب. فهي لا تواجه القوة وجهًا لوجه، بل تُنهكها تدريجيًا عبر ضربات جانبية متكررة تضعف العدو في أطرافه. وبهذه الطريقة، تسعى طهران إلى خلق معادلة استنزاف مستمرة تعطل التفوق التقني الإسرائيلي.

في موازاة ذلك، تتحول المعركة النفسية إلى سلاح فاعل بحد ذاته. إذ تسعى إسرائيل من خلال ضرباتها الاستعراضية إلى بث رسائل قوة إلى العواصم الغربية، في حين تراهن إيران على إنهاك الجبهة الداخلية الإسرائيلية، مستفيدة من الانقسامات السياسية والأزمات الاجتماعية المتكررة. وفي هذا الإطار، يختصر معتضد المشهد بالقول إن الزمن لم يعد مجرد عامل، بل أصبح أداة استراتيجية بحد ذاتها.

ومن الملاحظ أيضًا أن البُعد القانوني للنزاع يغيب تمامًا، في ظل صمت متعمّد من الطرفين. فلا أحد منهما يرغب في تدويل الأزمة أو اللجوء إلى مجلس الأمن. ووفقًا لمعتضد، فإن ما نشهده اليوم هو مواجهة عسكرية معلنة، لكنها مغلقة سياسيًا، وهو ما يعكس تآكل دور القانون الدولي في تنظيم النزاعات المسلحة.

وعلى ضوء كل ما سبق، يرى الخبير المغربي أن مستقبل هذا النزاع سيعتمد على عاملين اثنين: أولاً، استدامة الإمدادات العسكرية للطرفين، وثانيًا، قدرة دول الخليج على بلورة مبادرة وساطة فاعلة. ويحذر في الختام من أنه إذا طال أمد الصراع، فقد نشهد تحوّله من حرب عابرة إلى نمط صراع دائم، الأمر الذي سيحوّل كل ضربة إلى قاعدة استراتيجية جديدة، لا إلى استثناء عابر.

أضف تعليقك

300 / الأحرف المتبقية 300
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

تعليقات (0)

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي ولو.برس

إقــــرأ المزيد

×

حمل تطبيق ولو