X

الداكي يستعرض جهود حماية الطفولة بالمملكة

الداكي يستعرض جهود حماية الطفولة بالمملكة
الاثنين 10 يونيو 2024 - 13:52
Zoom

أكد "الحسن الداكيالوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، في كلمة له بمناسبة اللقاء الوطني لتتبع تنزيل مخرجات المناظرة الوطنية حول موضوع "حماية الأطفال في تماس مع القانون"، يومي 10-11 يونيو 2024 بفاس، أن عقد هذا اللقاء يأتي في أعقاب تخليد بلادنا لليوم الوطني للطفل الذي يوافق يوم 25 ماي من كل سنة.

وأضاف "الداكي"، أنه يشكل مناسبة سنوية تؤكد فيها مختلف المؤسسات والقطاعات المعنية وهيئات المجتمع المدني تجندها من أجل النهوض بأوضاع الطفولة ببلادنا تنفيذا للإلتزامات الدولية والوطنية للمملكة المغربية عبر تنزيل البرامج والإستراتيجيات والأوراش الوطنية المفتوحة لضمان حياة كريمة لأطفالنا، وهو ما يعكس مركزية قضايا الطفولة في مختلف السياسات العمومية الوطنية وفي ذلك ترجمة للرؤية الملكية السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. متوجها بالشكر للشركاء الإستراتيجيين في مسار حماية الطفولة: وزيرة التضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة، ووزير الصحة والحماية الإجتماعية، ووزير الشباب والثقافة والتواصل، على التعاون البناء والإستعداد الدائم للتفاعل الإيجابي مع مبادرات رئاسة النيابة العامة الذي تجسد من خلال الإنخراط في عملية التشخيص الأولي لواقع الطفولة بالمغرب أثناء الإعداد لعقد المناظرة الوطنية حول موضوع "حماية الأطفال في تماس مع القانون الواقع والآفاق" والذي استمر من خلال تتبع تنزيل مخرجاتها، ويعتبر لقاء اليوم فرصة سانحة لإستعراض ومناقشة حصيلة وآفاق هذا التنزيل.

وتابع وكيل الملك لدى محكمة النقض، أن الشكر موصول كذلك لممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب على الدعم المتواصل لبرامج رئاسة النيابة العامة في مجال تعزيز حماية الطفولة ودعم آليات الشراكة والتنسيق في هذا السياق، كما أشكر سفيرة الاتحاد الأوروبي على التفاعل المستمر مع مختلف مساعي رئاسة النيابة العامة في المجالات المتعلقة بتنزيل مضامين السياسة الجنائية لبلادنا. معبترا أن ما حققته بلادنا من مكتسبات ما هو إلا انعكاس لإيمان راسخ بمحورية أوضاع الطفولة، وتجسيد لإرادة قوية للنهوض بها، عبر عنها المغرب من خلال التوقيع المبكر على الإتفاقية الأممية لحقوق الطفل في نفس السنة التي صدرت فيها، وهو ما شكل دعوة صريحة إلى تكثيف الجهود الوطنية للنهوض بحقوق الطفل وحمايتها. وأبرز أن بلادنا مضت قدما خلال العقدين الأخيرين في تعزيز هذه الحقوق تنزيلا لرؤية جلالة الملك محمد السادس، وتأكيد جلالته في العديد من خطبه ورسائله السامية على أهمية النهوض بأوضاع أطفال بلادنا، سواء من حيث توفير الحماية الجسدية والمعنوية، أو من حيث تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.

وأشار إلى الرسالة الملكية السامية بمناسبة إطلاق "حملة مدن أفريقية بدون أطفال في وضعية الشارع يوم 24 نونبر 20 18 جاء فيها: ".... فيجب ألا تنحصر جهود حماية الأطفال في الحفاظ على سلامتهم الجسدية والمعنوية والنفسية، بل ينبغي أن تقترن أيضاً بتوفير الشروط الكفيلة بالنهوض بأوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. ولا تستلزم حماية الأطفال تجنيبَهم أسباب الخوف فحسب، بل تقتضي كذلك تخليصهم من براثن الفاقة والحاجة، ومدهم بكل ما من شأنه أن يكفلَ كرامتهم. فهذا التحدي، وإن كان جسيماً بحمولته، فهو جدير بأن نخوض غماره من أجل كسب الرهانات المرتبطة به...." انتهى النطق الملكي. كما تحظى حماية حقوق طفلات وأطفال بلادنا بعناية خاصة لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل ورئيسة الإتحاد الوطني لنساء المغرب، من خلال حرص سموها على دعم المشاريع ذات البعد الإجتماعي والتنموي الهادفة إلى تحسين ظروف عيش الأطفال، وذلك من منطلق إيمان سموها الراسخ بأن الأطفال يجسدون أمل ومستقبل البلاد.

وسجل "الداكي"، أن بلادنا تبنَّت نهجا تشريعيا يروم توفير الوقاية والحماية الشاملة للأطفال انطلاقا من كون الآثار الإيجابية للإرتقاء بأوضاع الطفولة لا تقتصر على الطفل ومستقبله فحسب، وإنما تمتد لتشمل الأسرة والمجتمع ككل، وهو ما سعى دستور سنة 2011 لضمانه من خلال إعطاء دفعة قوية لحماية الأطفال والتكفل بهم، حيث نص صراحة في الفصل 32 منه على أن "الدولة تسعى لتوفير الحماية القانونية والإعتبار الإجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية". كما كرست مختلف النصوص التشريعية الوطنية هذا النهج عبر سن العديد من المقتضيات القانونية الرامية إلى توفير حماية ناجعة للأطفال في تماس مع القانون وإرساء آليات للتكفل بهم، وهو ما شكل أحد أهم مقومات النهوض بأوضاع الطفولة وساهم في بناء صرح عدالة صديقة للأطفال تضمن وصولهم إليها بكل يسر ونجاعة بصرف النظر عن وضعياتهم سواء كانوا ضحايا أو في خلاف مع القانون أو في وضعية صعبة، أو متخلى عنهم أو شهود أو مهاجرين.

وأفاد رئيس النيابة العامة، بأن السياسة الجنائية لبلادنا تضع قضايا الطفولة ضمن أبرز أولوياتها الإستراتيجية، وبذلك فإنها باعتبارها الجهة القائمة على تنفيذ مضامين هذه السياسة، حرصت منذ تأسيسها على إيلاء هذه الفئة أهمية خاصة، من خلال السهر على تفعيل جميع الصلاحيات التي يمنحها لها القانون لتوفير الحماية اللازمة لهم من جميع صور الإستغلال والإنتهاكات والإيذاء. وتُعتبر خلايا التكفل بالنساء والأطفال بالنيابات العامة آلية ناجعة لتحقيق هذه الأهداف السامية، إذ يسهر أعضاء النيابات العامة، إلى جانب باقي مكونات هذه الخلايا، على حسن استقبال الوافدين عليها من مختلف فئات الأطفال، والاستماع إليهم في ظروف ملائمة، وتقديم ما يلزمهم من دعم ومساعدة ومرافقة، في استحضار تام للبعد الإجتماعي والإنساني الذي يراعي وضعية هؤلاء الأطفال. لافتا إلى أن هذه الخلايا اسقبلت خلال سنة 2023 ما مجموعه 35355 طفلا، منهم 26770 طفلا ضحية و1294 طفلا في وضعية صعبة إلى جانب 7394 طفلا في خلاف مع القانون، تم الاستماع إليهم ومرافقتهم وتوجيههم نحو الخدمات القانونية أو الاجتماعية أو النفسية أو الصحية وغيرها. وحرصت رئاسة النيابة العامة على توجيه العديد من الدوريات تحث من خلالها قضاة النيابة العامة على تعزيز الحماية القانونية للأطفال من كل أنواع العنف والاستغلال وإساءة المعاملة والإهمال، وتجنيبهم كل الأوضاع الضارة بهم أو المفضية إلى إهدار كرامتهم، مع الحرص على التطبيق الصارم للقانون في مواجهة كل من يرتكب أفعالا جرمية في حقهم، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.

يلتئم هذا اللقاء، يورد المتحدث ذاته، بعد مرور سنة على انعقاد المناظرة الوطنية التي توجت بالتوقيع على اتفاقية ثلاثية الأطراف بين كل من رئاسة النيابة العامة ووزارة الشباب والثقافة والتواصل ووزارة التضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة، وهي الإتفاقية التي أحدثت إطارا عاما للتعاون والشراكة بين الأطراف، كما رتَّبت التزامات مشتركة في مقدمتها:
- إعداد بروتوكول حماية يوضح خدمات التكفل بالأطفال في تماس مع القانون؛
- توفير إيواء متخصص وفعال لمختلف فئات الأطفال وخاصة الأطفال في وضعية صعبة وكذا الأطفال ضحايا الجريمة؛
- تشخيص الوضعية الراهنة للأطفال المودعين بمراكز حماية الطفولة التابعة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، لتيسير وتفعيل عملية التصنيف من قبل الأطراف؛
- تشخيص وجرد آليات الحماية الإجتماعية المتوفرة ترابيا، من مراكز ومؤسسات تربوية وغيرها، وإعداد قائمة بذلك توضع رهن إشارة الأطراف. مبرزا أنه تفعيلا لهذه الإلتزامات فقد اغتنمت وزارة التضامن الإدماج الإجتماعي والأسرة مناسبة الإحتفاء باليوم الوطني للطفل هذه السنة للتوقيع على اتفاقية متعددة الأطراف تم بمقتضاها إعطاء الإنطلاقة "للبروتوكول الترابي للتكفل بالأطفال في وضعية هشاشة".

وأوضح أنه نظرا لأهمية التنسيق بين المتدخلين في مجال حماية الطفولة، وضع البروتوكول الترابي تصورا واضحا يحدد آليات التنسيق المعنية ونطاق تدخلها من خلال مستويين رئيسيين، الأول يعنى بالتنزيل الترابي للسياسات العمومية والتكفل الإجتماعي بالأطفال في وضعية هشاشة، والذي تشرف عليه اللجن الإقليمية لحماية الطفولة، والثاني يهم التكفل القضائي بالفئات المستهدفة والذي تشرف على تنسيقه اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء والأطفال التي ترأسها النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة. مؤكدا أن رئاسة النيابة العامة بادرت إلى فتح مجموعة من الأوراش تسعى من خلالها إلى تنفيذ التزاماتها بمقتضى نفس الإتفاقية، أبرزها العمل على وضع دليل بشأن "تحديد مؤشرات نجاعة التكفل بالأطفال في تماس مع القانون" باعتباره وثيقة مرجعية ستساهم في تكريس مفهوم العدالة الصديقة والناجعة للأطفال. وقد عملت رئاسة النيابة العامة على إجراء تشخيص لواقع مراكز الإيواء التي تستقبل الأطفال بناء على مقررات قضائية على مستوى مختلف الدوائر القضائية بالمملكة، معتمدة في ذلك على مجموعة من العناصر والمحددات من بينها التوزيع الجغرافي لهذه المراكز وتخصصها وطبيعة الفئات المستهدفة من قبلها وطاقتها الاستيعابية وغيرها، حيث أفرزت المعطيات المتوصل بها من النيابات العامة وكذا الجهات الوصية على تلك المراكز، وجود تفاوت على مستوى توزيعها الجغرافي وكذا تغطيتها لمختلف فئات الأطفال.

ولفت "الداكي، إلى أن مجموع الأطفال الموجودين في وضعية صعبة والمودعين بمراكز حماية الطفولة بلغ ما مجموعه 266 طفلا وطفلة تم تجميع مختلف المعطيات والبيانات اللازمة لتيسير اختيار التدبير الأنسب لهم ونقلهم إلى وسطهم الأسري أو إلى مؤسسات اجتماعية معنية بالتكفل بأوضاعهم الصعبة. وسجل أن رئاسة النيابة العامة بادرت  إلى التنسيق مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من أجل تشخيص وضعية الأطفال في خلاف مع القانون المودعين بهذه المؤسسات والذين يزيد عددهم عن 1000 طفل، في أفق الإشتغال على تجنيبهم التدابير السالبة للحرية والاستعاضة عنها بمختلف الخيارات المتاحة قانونا وواقعا من أجل التكفل بهم وفق ما تفرضه المقاربة الإصلاحية والتأهيلية لعدالة الأحداث. وخلص إلى أن ما سلف بسطه من خطوات ومبادرات بما تحمله من عناصر إيجابية وما تنطوي عليه من إكراهات واقعية، سيشكل أرضية نقاش مستفيض خلال فعاليات هذا اللقاء الوطني الذي يلتئم على مدى يومين، سواء أثناء الجلسات العامة أو خلال الورشات الموضوعاتية، ليتسنى ترصيد المنجزات والمكتسبات، والوقوف على المعيقات الحقيقية والتحديات المطروحة مع اقتراح الحلول الممكنة لها، وسيكون هذا اللقاء فرصة سانحة أيضا لإعطاء انطلاقة جديدة واستشراف البرامج والأوراش المستقبلية الكفيلة بالنهوض بوضعية أطفالنا والإنتصار لمصلحتهم الفضلى.


إقــــرأ المزيد