X

من الشاي إلى أتاي أصالة وخصوصية مغربية

من الشاي إلى أتاي أصالة وخصوصية مغربية
الخميس 09 ماي 2024 - 10:06
Zoom

الجيلالي الطويل

يعتبر الشاي المغربي صاحب خصوصية عالمية، إذ تفوّق في طريقة تحضيره بالمواد التي تزيد من لذته وحلاوته من قبيل (النعناع والشيبة ومرددّوش والنعناع العبدي وفليو والزعتر واليازير، وأعشاب أخرى)، على الصينيين منتجي هذه النبتة، وبذلك تحول من إسم الشاي المعروف والمتداول بين الأمم إلى "اتاي"، الذي يعبر عن خصوصية مغربية بامتياز.

ويرى بعض الانثروبولوجيين، أن "أتاي" قبل أن يتوشح بالأصالة المغربية وتتبناه عادات وطقوس المغاربة، قطع رحلة طويلة من مهده في الصين مرورا بأوروبا قبل أن يصل إلى المملكة الشريفة، حيث صنع منه المغاربة مشروبهم الساحر، الذي يسلبون به لب زوّارهم ويفتنون بمناسكه كل من كتب له حضورها، وأصبح أتاي المغربي شاهدا قديما على الحكايا التي نسجت تاريخ هذا البلد.

تاريخ دخول الشاي للمغرب

وحسب بعض المصادر التاريخية فقد دخل الشاي للمملكة الشريفة مطلع القرن الثامن عشر، أي بعد قرن من وصوله إلى أوروبا، وكان ذلك من باب باب قصر السلطان مولاي إسماعيل مرتديا عباءة الدواء، فظل استخدامه محصورا في العلاج والتطبيب قبل أن يُستهلك كشراب على غرار الدول الآسيوية، بقي الشاي حبيس جدران القصر، وظل حكرا على الوسط المخزني قرنا بأكمله، فكان ولوازمه هدية يتودد بها السفراء الأوروبيون إلى الحاكم، ومع نهاية القرن الثامن العشر لم يخرج استهلاكه عن الدائرة المخزنية لكنه توسع قليلا ليشمل أغنياء البلد وكبار أثريائها.

ويوثق كلٌّ من الكاتبين عبد الأحد السبتي، وعبد الرحمن الخصاصي في كتابهما "من الشاي إلى الأتاي: العادة والتاريخ"، أن دخول الشاي للمغرب ساهم في العديد من التحولات السياسية والاقتصادية بالمملكة، وكان بمثابة قطب الرحى، الذي دارت حوله أحداث عدة؛ ففي القرن التاسع عشر، عمد السلطان الحسن الأول إلى تقديم الشاي والسكر والأواني الفضية كهدية لرؤساء وزعماء القبائل الذين يرفضون الخضوع لسلطته أو يترددون في إعلان ولائهم، وسرعان ما آتت هذه السياسة أُكلها وبسط السلطان نفوذه على هذه القبائل دون حروب، وإنما اعتمادا على قوة طعم الشاي، في إشارة إلى أن للشاي مكانة خاصة في التقاليد المغربية حتى يومنا هذا.

طقوس شرب الشاي في الثقافة المغربية

يبدأ طقس الشاي بتحضير الصواني الفضية، حيث تُصَفّ الكؤوس التي يزيد عددها على عدد الضيوف، في تناغم مع الحافة الدائرية للصينية التي يتوسطها البراد. وفي صينية أصغر تُوضع ثلاث علب تُسمى "الربايع" تضم الربايع الشاي والسكر والنعناع الذي يمكن أن نستبدل به نبتة عطرية أخرى مثل الشيبة، اللويزة أو زهر الليمون أو البرتقال.

وبما ان "أتاي"، له مكانة في الثقافة المغربية، فإن المغاربة جعلوا له حضوة كبيرة إذ أن شربه يخضع لبروتوكول معين، حيث يتطلب تُوضع الصينية أمام الضيف بعد أن يُقدَّم له سطل فضي لغسل يديه. يأخذ الضيف مقدارا مناسبا من الشاي، تُوضع الحبوب داخل البراد ويسكب المساعد القليل من الماء، تُغسل الحبوب لتنقص مرارتها ويُزال عنها الغبار ثم يفرغ الماء في إحدى الكؤوس، ويُضاف القليل من السكر ثم يُملأ البراد بالماء المغلي ويُوضع على النار حتى يغلي ثم يُضاف النعناع.

يسكب الضيف القليل من الشاي، يتذوقه ثم يُضيف السكر، يسكب ثلاثة أو أربعة كؤوس وتعاد للبراد حتى تتساوى الحلاوة وتمتزج المكونات جيدا، وبعدها يصبح الشاي جاهزا ليُقدم للضيوف. يُصب الشاي بحركة فنية رشيقة من الأعلى فتتشكّل رغوة تطفو على السطح تشغل ربع الكأس تقريبا، من ثم تبدأ عملية توزيع الكؤوس.

أجناس"أتاي" في الثقافة المغربية

ينقسم شرب "أتاي" في الثقافة المغربية إلى ثلاثة أجناس، حيث تختلف طقوس هذه الأجناس حسب اختلاف الظروف والمقامات، ومن بينها أتاي الأكل، وأتاي لقصارة، وأتاي التعب.

أما النوع الأول فيرافق إما الحلويات أو الفطائر أو الخبز في مناسبات مختلفة مثل الاحتفالات، والأعراس والعقيقة، والمنسبات الأخرى، لهذا تجد ان المغاربة وخصوصا أهل فاس صنعوا له حلوى خاصة أسموها "دواز أتاي"، ودواز اتاي هنا تعني أن هذه الحلوى لا يمكن تناولها إلا مع الشاي.

وبخصوص النوع الثاني، فيكون مخصصا للضايفة، حيث يعبر عن كرم صاحب البيت المضيفن فبه يحلو السمر وتجاذب أطراف الحديث ومناقشة المواضيع، لهذا نجد أن إخواننا في المناطق الجنوبية من الصحراء المغربية، يربطون طقس "نتييو" بالسمر ولقصارة.

ويبقى النوع الثالث فريدا، حيث إنه يسمى شعبيا "أتاي لي كيطلق لعيا"، فهو في المتخيل الشعبي المغربي يجعل الشخص الذي يكون إما عائدا من السفر أو من عمل شاق، بعد شربه ساخنا يشعر بنوع من الراحة والاسترخاء. ويفضل شرب أتاي ساخنا "من المجمر لكاس البلار". 

سلاطين المغرب وأتاي

يُقال إن الناس على دين ملوكهم، وينطبق ذلك أيضا على عادات الملوك التي يتم النظر إليها في المجتمعات باعتبارها مطمحا للترقّي الاجتماعي، ولذلك يمكننا القول إن دين الأتاي لم يكن استثناء، إذ اعتنق المغاربة طقوسه وشعائره المتسمة بالفخامة كما تنزّلت في دار السلطان؛ فعلى غرار طقوس شرب الشاي في الصين واليابان، تميز الأتاي في دار السلطان بطقوس مميزة. تم إنشاء هيئة تُشرف على إعداد الشاي يرأسها "مول أتاي" أو "صاحب أتاي"، وكان "أحمد بن المبارك" أول من تقلّد هذا المنصب ونال على إثره حظوة داخل دار المخزن.

وجدير بالذكر أن مكونات الشاي باعتبارها وافدا جديدا على المدتمع المغربي، فقد جدلا حادا بين فقهاء المملكة فمنهم من اعتبر السكر القادم من أوروبا، أو بلاد الروم كما يطلقون عليها، حراما، وآخرون تعدوا مرحلة التحريم إلى رفض شهادة أي شخص يشرب الشاي.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن هذا الجدل لم ينطلق دائما من سبب ديني، بل نبع أحيانا من عوامل اقتصادية أو سياسية خالصة، ففي سنة 1904 وفي طريقه للحج زار الشيخ محمد عبد الكبير الكتاني مؤسس الزاوية الكتانية مدينة مرسيليا التي يُصنع فيها السكر الذي يُصدَّر للمغرب، اعتبر الشيخ الكتاني هذه الزيارة بمنزلة زيارة لقواعد العدو، فبالنسبة له فإن السكر الفرنسي يغزو خزينة المغرب ويحرم البلد من موارد كان يجب أن تُستغل لإبعاد المستعمرين المتربصين بالبلاد.

 


إقــــرأ المزيد