X

تابعونا على فيسبوك

زيارة قطر والمهمة "شبه مستحيلة"

الجمعة 17 نونبر 2017 - 12:39

بقلم :كوثر بن العيفر 

أن يقوم الملك محمد السادس بزيارة رسمية لقطر وخاصة في هاته الظرفية الحساسة التي تعرفها منطقة الخليج، ويستمر في مساعيه الهادفة إلى الوساطة بينها وبين الدول التي فرضت عليها الحصار، وكذلك أن يدرج هذه الزيارة مباشرة بعد زيارة أخرى رسمية لدولة الإمارات المتحدة، في الوقت الذي لم تتجرأ فيه أية دولة عربية أخرى على القيام بمثل هاته الخطوة وتكتفي بمجرد انتظار التطورات آخذة مسافة من الأزمة ومحاولة أيضا ألا تقحم نفسها في هذا الملف الشائك الذي  تبقى كل السيناريوهات ممكنة أمامه، سيما وأن تجليات الوضعية الصعبة التي تعيشها المنطقة العربية تبدو واضحة من خلال الأوضاع المرتبكة في كل من العراق وليبيا واليمن وسوريا، فهذا يترجم بصدق وأمانة أن العلاقات المتميزة التي تجمع جلالته بدول الخليج أكبر بكثير من الاختلافات أو حتى الخلافات التي يمكن أن تنشب بينهم.

هاشتاغ "العاهل المغربي –كاسر الحصار" والاستقبال المليء بالحفاوة والأخوة الذي خص به صاحب السمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، يوم الأحد الأخير، الملك محمد السادس الذي كان مرفوقا بمولاي إسماعيل ومستشاريه ووزير الخارجية ناصر بوريطة، اختزلا العلاقات الأخوية التي من المفترض أن تجمع بين البلدان العربية، وهي ترجمة فعلية لإيمان جلالته بمبدأ وحدة المصير وانسجام وجهات النظر، كما أنها تدل أيضا على استقلالية قرار المؤسسة الملكية المغربية.

إن التزام الملك محمد السادس القيام بدور الوساطة في الأزمة التي تعيشها قطر اليوم - بعد قرار دول الحصار الأربع السعودية، الإمارات، البحرين، مصر قطع العلاقات معها وتضييق الخناق عليها منذ أشهر بسبب ما وصف بالتباين الإيديولوجي الذي لحظه مجلس التعاون الخليجي في السياسة التي تتبعها قطر إزاء مجموعة من القضايا- تكشف بكل وضوح أن الملك محمد السادس واع بأن  "أزمة الخليج" ستكون لها تداعياتها على التعاون العربي المشترك، وعلى الصعيد الإقليمي أيضا بالنظر إلى الأوضاع التي تعيشها مجموعة من الدول العربية، وأن التفرقة هي ورقة رابحة لبعض القوى الدولية التي لها حساباتها الخاصة، وتسعى إلى تعميق الصراعات والمشاكل بالمنطقة، ووحدهم العرب الخاسرون في هذه المعادلة، ولذلك فخيار السعي لرأب الصدع داخل مجلس تعاون دول الخليج العربية ضرورة قصوى، لأن الاتجاه نحو التصعيد وشن الحرب ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة ككل، وبالضرورة سيتأثر المغرب، وفي هذا السياق يمكن استحضار ماقاله جلالته في خطابه ليوم 20أبريل 2016 بالرياض أمام القمة المغربية الخليجية بالرياض " لقاؤنا اليوم، يجسد عمق روابط الأخوة والتقدير، التي تجمعنا، وقوة علاقات التعاون والتضامن، بين بلداننا..() فرغم بعد المسافات الجغرافية، التي تفصل بيننا، توحدنا والحمد لله، روابط قوية، لا ترتكز فقط على اللغة والدين والحضارة، وإنما تستند أيضا، على التشبث بنفس القيم والمبادئ، وبنفس التوجهات البناءة، كما نتقاسم نفس التحديات، ونواجه نفس التهديدات".

كما أن الشراكات الاقتصادية التي تجمع دول الخليج بالمغرب واتفاقيات التعاون بالمجالات الاقتصادية والتجارية والتنموية، وترسيخ مبادئ التعاون "جنوب –جنوب"، وكذلك التعاون على المستوى الأمني والعسكري، الذي يتمظهر جليا في محاربة الإرهاب، والسياسي أيضا من خلال التشاور وتبادل الآراء بخصوص القضايا التي يعيش على إيقاعها العالم العربي بصفة عامة، كلها عوامل دفعت الدبلوماسية المغربية للتحرك بقوة، زد على ذلك أن المناسبة مكنت المغرب من أن يجدد تأكيده على وفائه بالتزاماته تجاه الدول العربية

ومن جهة أخرى، لا يمكننا أن نتغاضى عن أن الوساطة المغربية مقبولة جدا وتلقى ترحيبا لدى مختلف الأطراف، وهنا نتحدث على مستوى العلاقات التي تجمع الملك محمد السادس بأمراء وملوك دول الخليج، وهذا الأمر جعل العديد من المحللين السياسيين الدوليين يعتبرون أن المغرب يمتلك أوراقا غير تقليدية كفيلة بالوصول إلى نتيجة ايجابية في هذه الوساطة على الرغم من أن المؤشرات في الأفق تحول الأمر إلى مهمة "شبه مستحيلة".

للإشارة فقط، فإن العلاقات بين المغرب وقطر عرفت في إحدى الفترات نوعا من الفتور، ولو أن أحدا قال قبل بضع سنوات لقطر في الوقت الذي كانت قناتها "الجزيرة" تبث رزمة من الفيديوهات المفبركة في تعاطيها مع بعض القضايا المغربية، ولا تلتزم قواعد العمل الصحفي الذي يقتضي التقيد بشروط النزاهة والموضوعية وأغضبت المغاربة، واستفزتهم إلى درجة إغلاق مكتب قناتها بالبلاد قبل الإعلان في وقت لاحق عن فتحه، وعودة مياه العلاقات بين البلدين إلى مجراها (لو أنه قال لها) أن الأيام ستبدي أنها كادت تخسر صديقا مهما، وأن المغرب لن يتخلى عنها وسيبذل كل جهوده لرأب الصدع وإنجاح مساعي الوساطة بينها وبين دول الخليج  ملتزما حيادا كبيرا تجاه أزماتها في القادم من السنوات وأنه لن يقف ضدها بل بالعكس من ذلك فإن العاهل المغربي سيكون  الرئيس العربي الأكثر جرأة الذي اختار  التوجه في زيارة رسمية إليها لتلقى آنذاك إجابة بأنها "أبعاض أوهام" أو تخمينات بعيدة التحقق.

ما تعيشه قطر اليوم ورد فعل العاهل المغربي هو ترجمة تكاد تكون مطابقة للأصل لمعنى مقولة ميكيافيلي "السياسة فن الممكن"، ومايستبعد حدوثه اليوم من الممكن جدا أن يصبح واقعا في الغد، ووحدهم المتعقلون من يأخذون العبرة ويتصرفون بدبلوماسية كبرى.

 

 


إقــــرأ المزيد