Advertising

أخنوش: ثورة هادئة في قطاع الصحة... سيادة واستثمار في المستقبل

14:30
أخنوش: ثورة هادئة في قطاع الصحة... سيادة واستثمار في المستقبل
Zoom

في إطار الجلسة الشهرية المخصصة للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة، والمنصوص عليها في الفصل 100 من الدستور، قدّم رئيس الحكومة عزيز أخنوش عرضًا مفصلًا أمام مجلس النواب يوم الاثنين 7 يوليوز 2025، تناول فيه موضوع "المنظومة الصحية الوطنية بين المنجزات الراهنة والتطلعات المستقبلية".

هذه الجلسة، التي تُجسّد أحد أهم آليات الرقابة البرلمانية وتعزيز التواصل المؤسساتي، تحوّلت إلى محطة سياسية محورية، عرض فيها رئيس الحكومة رؤية شاملة لإصلاح قطاع الصحة، مؤطرًا إياها كأولوية وطنية واستراتيجية، بالنظر إلى ما تمثله من رهانات اجتماعية وتنموية وحقوقية متداخلة.

على مدى خمسة وثلاثين دقيقة، استعرض أخنوش ما وصفه بـ"ثورة هادئة" في المنظومة الصحية، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تكتف بالمعالجات الجزئية، بل شرعت في إصلاح هيكلي يستند إلى رفع الميزانيات، وتوسيع التغطية، وتأهيل البنيات، وتكوين الأطر، وتعزيز العدالة المجالية، وتطوير السياسة الدوائية، وتكريس الرقمنة، وإحداث مؤسسات وهيئات جديدة تعيد هيكلة القطاع وفق منطق الحكامة الفعالة والاستدامة المالية.

وبين سرد المنجزات واستشراف الخطوات المقبلة، رسم الخطاب ملامح مرحلة انتقالية في تاريخ النظام الصحي المغربي، تنقل هذا القطاع من منطق التدبير المرفقي إلى منطق الاستثمار الاستراتيجي. وقد عكست النبرة، والمضامين، والتفاصيل الرقمية، رغبة الحكومة في تثبيت الإصلاح كمسار لا رجعة فيه، يتقاطع مع التوجهات الملكية وخارطة الطريق التنموية الكبرى للبلاد.

هذا المقال يعرض أبرز محاور هذا الخطاب السياسي-الاجتماعي، ويقترح قراءة تحليلية لتوزيع مضامينه حسب الطابع، ثم تفكيك خلفياته الاستراتيجية وانعكاساته المحتملة على مستقبل السياسات العمومية الصحية.

توزيع الخطاب حسب الطابع والمضمون :

النسبة طابع الخطاب المضمون الرئيسي
40% حكومي قطاعي تقني عرض تفصيلي للإصلاحات في البنية التحتية الصحية، المستشفيات الجامعية، التكوين، التحفيزات، الرقمنة، الأدوية.
15% سيادي ووطني ربط الإصلاح الصحي بفكرة السيادة الوطنية والرؤية الملكية، مع تحية للمؤسسات الأمنية والعسكرية.
15% سياسي تواصلي خطاب واقعي يدافع عن منجزات الحكومة ويؤطر المسار الإصلاحي بعبارات مسؤولة وغير شعبوية.
10% اجتماعي/حقوقي تأكيد على العدالة المجالية والصحية، وتوسيع التغطية لتشمل الجميع بدون استثناء.
10% تعبوي/مستقبلي تحفيز على الصبر الجماعي، والتأكيد على أن الأثر لن يكون آنيا بل ممتدًا.
10% مؤسساتي/تشريعي إبراز التنسيق مع البرلمان، واستعراض الترسانة القانونية المصاحبة للإصلاحات الكبرى.

توزيع الخطاب حسب الطابع والمضمون

 

القراءة الاستراتيجية للخطاب :

يقدم رئيس الحكومة رؤية متكاملة تعتبر أن الإصلاح الصحي لم يعد "قطاعًا اجتماعيًا" فقط، بل بات رهانًا سياديًا ورافعة تنموية. تم التركيز على أربع ركائز:

1.    المنجزات الميدانية: أرقام دقيقة حول البنيات، التمويل، والمراكز الصحية.
2.    الهندسة المؤسساتية: تشريعات جديدة، هيئات مستقلة، مجموعات صحية ترابية.
3.    العدالة المجالية والإنصاف الصحي: توزيع الخدمات حسب الجهات، تقليص "الصحاري الطبية".
4.    أفق سياسي وطني: الإصلاح كجزء من رؤية 2030 ومكانة المغرب دوليًا.

 

الراهنية السياسية للخطاب :

في زمن يُتَّهم فيه الفاعلون العموميون بالشعارات، يقدّم رئيس الحكومة خطابًا يراهن على لغة الأرقام والإصلاحات العميقة.

حديثه عن "ثورة هادئة في القطاع الصحي" يعكس قناعة بأن الشرعية التنفيذية تبنى بالمنجز لا بالشعارات. كما أن ربط المشروع الصحي بالتحولات الكبرى التي يشهدها المغرب، من تنظيم التظاهرات الدولية إلى الانتقال الرقمي والطاقي، يعبّر عن رغبة في جعل الصحة جزءًا من المشروع التنموي الكبير وليس عبئًا عليه.

مؤشرات للمراقبة في المدى القريب:

إذا كان خطاب رئيس الحكومة قد رسم رؤية إصلاحية شاملة، فإن نجاح هذه الرؤية يبقى مرهونًا بتقدم ملموس في عدد من الأوراش المعلنة. ومن بين المؤشرات التي ستُشكل معيارًا عمليًا لتتبع تفعيل هذا الورش في الأشهر المقبلة:

1.    تفعيل الهيئات الصحية الجديدة: وعلى رأسها الهيئة العليا للصحة، والوكالتين الوطنيتين للدم وللأدوية، من حيث الإطار التنفيذي، والميزانيات، ونطاق التدخل الفعلي على مستوى التراب الوطني.
2.    الانطلاقة الفعلية للمجموعات الصحية الترابية: خاصة بعد الإعلان عن أول مجموعة بجهة طنجة تطوان الحسيمة، حيث يُرتقب تتبع تعميم التجربة على باقي الجهات ومدى قدرتها على تقليص الضغط على المستشفيات.
3.    تقدم مشاريع المستشفيات الجامعية الجديدة: خصوصًا في أكادير، العيون، بني ملال، الرشيدية وكلميم، ومدى احترامها للآجال المحددة ضمن الجداول الزمنية.
4.    إدماج الخريجين الجدد في المنظومة الصحية: وخاصة خريجي كليات الطب والمهن التمريضية، بالنظر إلى الخصاص البنيوي في الموارد البشرية، ومدى قدرة الحكومة على تحقيق نسبة 24 إطارًا صحيًا لكل 10.000 نسمة في أفق 2026.

هذه المؤشرات ستشكّل مرآة واقعية لما إذا كانت "الثورة الهادئة" التي تحدث عنها رئيس الحكومة تسير بالفعل في اتجاه التحقق، أم أنها لا تزال في مرحلة البناء المؤسساتي.


بين الإصلاح وضغط الزمن السياسي: ورش مفتوح وخطاب مُلزم

في ختام عرضه، حرص رئيس الحكومة على التأكيد أن إصلاح المنظومة الصحية لا يُقاس بنتائج آنية، بل هو مسار ممتد يستند إلى رؤية بعيدة المدى ورهانات مؤسساتية دقيقة.

يأتي خطاب رئيس الحكومة في لحظة نضج مؤسساتي، حيث لم يعد الحديث عن تأهيل المنظومة الصحية ترفًا سياسياً أو وعدًا انتخابيًا، بل بات التزامًا مفصّلاً بالأرقام، والتشريعات، والآجال، والبرامج الموزعة ترابيًا.

لقد رُسمت معالم الطريق بوضوح: تغطية صحية شاملة، حكامة جديدة، موارد بشرية مضاعفة، بنية تحتية موزعة بعدالة، وسيادة دوائية متقدمة. لكن هذه الرؤية، بكل طموحها، تضع الحكومة أمام حتمية التقييم، لا مجرّد الاسترسال في الوعود.

ومع اقتراب نهاية الولاية التشريعية، تبدو هذه المرحلة مناسبة ليس فقط لتثمين ما تحقق، ولكن لطرح السؤال الجوهري: هل نحن أمام إصلاح اكتمل؟ أم أمام مشروع إصلاحي طويل النفس، يتطلب أفقًا مؤسساتيًا يتجاوز الزمن الحكومي المحدود؟

الإشارات الواردة في الخطاب توحي بأن هذا الورش لن يستوي على عوده إلا ضمن أفق زمني أطول، ما يفتح المجال أمام التفكير في مرحلة ثانية من الإصلاح، قد تحمل طابع التثبيت بعد التأسيس، والتقويم بعد الانطلاق.

فالسياسة الصحية ليست لحظة تقنية، بل اختبار مستمر للجرأة السياسية، والقدرة على تثبيت الأثر، وترسيخ الثقة في المرفق العمومي.

ملاحظة تحريرية:
هذا النص يُعد قراءة تحليلية لأبرز مضامين خطاب رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام مجلس النواب، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة ليوم الاثنين 7 يوليوز 2025، والتي خُصصت لموضوع: "المنظومة الصحية الوطنية بين المنجزات الراهنة والتطلعات المستقبلية".


إقــــرأ المزيد

×

حمل تطبيق ولو