Advertising

المغرب وموريتانيا: دينامية جديدة تتحدى العدمية في المنطقة

المغرب وموريتانيا: دينامية جديدة تتحدى العدمية في المنطقة
12:00
Zoom

يأتي انعقاد المنتدى البرلماني الاقتصادي المغربي الموريتاني الذي تحتضنه نواكشوط يوم 9 مايو و 10 منه، في سياق يتسم بتطور ملفت في العلاقات الثنائية بين البلدين، وهو منتدى يتجاوز الطابع البروتوكولي ليعكس إرادة استراتيجية عميقة في الدفع بالتعاون الثنائي نحو آفاق أوسع، قائمة على المصالح المشتركة والتكامل الاقتصادي الإقليمي، لأهمية المنتدى من الناحية فإن جميع أطراف المشهد البرلماني المغربي تحضر أغلبية ومعارضة برئاسة رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي بالإضافة إلى أعضاء في الحكومة. وسيناقش المنتدى قضايا في غاية الأهمية، منها الأمن الغذائي والزراعة والصيد البحري، مناخ الأعمال والتكوين المهني. 

شكلت زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب، ولقاؤه بالعاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 21 كانون الأول/ دجنبر 2024، منعطفاً سياسياً هاماً وحاسما، تجدد من خلاله الزخم في العلاقات بين البلدين.

وقد كانت دلالات هذا اللقاء تتجاوز الجانب البرتوكولي إلى ما هو أعمق، فقد كان شهادة على أن ما يجمع المغرب بموريتانيا يتجاوز منطق السياسة الضيق، إلى ثقل التاريخ المشترك والعلاقات الإجتماعية والأصول المشتركة، إضافة إلى المشترك الديني والمذهبي والثقافي، وكشف أيضا عن نوع من التنسيق السياسي الإقليمي بين البلدين، ما يؤكد انخراط المغرب وموريتانيا في مشاريع استراتيجية كبرى.

من أبرز هذه المشاريع نذكر أنبوب الغاز النيجيري المغربي، الذي يمر عبر موريتانيا، ويعد أحد أعمدة الأمن الطاقي المستقبلي في غرب إفريقيا، فضلاً عن كونه مشروعا جيواستراتيجياً بامتياز، يربط جنوب القارة بغربها وشمالها، في خطوة تحوّلية لتعزيز التكامل القاري وتنويع مصادر الطاقة نحو أوروبا، وهو مشروع يحظي بدعم دولي كبير وقد أكدت الإمارات العربية المتحدة إنخراطها في تمويل المشروع الذي إنتهت جميع الدراسات الخاصة بإنجازه كما أعلنت وزيرة الطاقة المغربية ليلى بنعلي. 

كما تندرج ضمن هذا التوجه مبادرة ربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي عبر ميناء الداخلة، وهو مشروع ملكي سيؤسس لبنية لوجستية غير مسبوقة في المنطقة، تمنح للدول غير الساحلية مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو ويمكن أن تنضاف إليهم تشاد، منفذاً آمناً للتبادل التجاري، في ظل هشاشة المعابر التقليدية شرقاً نحو البحر الأحمر أو شمالا نحو البحر الأبيض المتوسط، حيث تهيمن النزاعات الأمنية والاضطرابات السياسية، خاصة بين الجزائر ودول الساحل التي سحبت سفرائها من الجزائر التي تتخبط في سياسة عدمية لا تستوعب المتغيرات الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة والعالم. 

إلى جانب هذه المشاريع الكبرى، تمضي الرباط ونواكشوط في تعزيز العلاقات الاقتصادية المباشرة، من خلال فتح معابر تجارية جديدة، وتطوير معبر الكركرات الحيوي، الذي يلعب دوراً محورياً في ربط المغرب بأسواق إفريقيا الغربية عبر الأراضي الموريتانية. وهذا التطور يفتح آفاقاً أمام التجارة البينية، ويحفّز الاستثمارات الخاصة، خاصة في مجالات الفلاحة، والصيد البحري، والتكنولوجيا، والبنى التحتية، وقد أظهرت آخر الأرقام توسعا في توظيف المعبر لصالح صادرات موريتانيا من البطيخ الأحمر الذي يصدر إلى أوربا عبر الميناء المتوسطي لطنجة. 

لكن لا يمكن قراءة هذه الدينامية خارج السياق الإقليمي المتوتر، حيث تلعب الجزائر دوراً سلبياً واضحاً، تسعى من خلاله إلى عرقلة أي تقارب بين المغرب وجيرانه بل تجاوزت ذلك إلى الإساءة إلى أصدقائه في الشرق نظير الإمارات العربية المتحدة وفي الشمال نظير إسبانيا وفرنسا. الجزائر التي تأبى تقبّل الواقع الجديد واليد الممدودة، تجد في التعاون المغربي الموريتاني مصدر إزعاج، خاصة في ظل التوجه الدولي المتصاعد نحو دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، واعتباره حلاً جدياً وذا مصداقية.

هذا الواقع الجديد، الذي تؤكده تحركات دولية متوالية نحو فتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية المغربية، لم تَرُق للنظام الجزائري، فاختار سياسة التشويش على كل علاقات التعاون التي تنسجها الرباط، سواء مع موريتانيا، أو مع دول إفريقية أخرى. وقد لجأت الجزائر إلى تحريك أدواتها الإعلامية التي لازالت تشتغل بعقلية "البرافدا" والدبلوماسية لتقويض هذا التقارب، بل وتسعى إلى تقديم إغراءات اقتصادية في الكواليس لخلق اصطفافات مصطنعة ضد مصالح المغرب.

غير أن الواقع يفرض منطقه: المصالح الاقتصادية والتنموية، خاصة في إفريقيا، لم تعد تقبل التردد والاشتراطات أو الاصطفافات الأيديولوجية، والمشاريع التي يقترحها المغرب، بشراكة مع دول مثل موريتانيا ونيجيريا، تستجيب لحاجات تنموية حقيقية، في مجالات حيوية تمس حياة الشعوب وتضمن استقرار الأنظمة وتقوم على منطق رابح رابح. وهو ما يفسر انسحاب النيجر من مشروع كانت ترعاه الجزائر و راهنت عليه بكل الوسائل وهو أنبوب الغاز نيجيريا الجزائر الذي كان من المفترض أن يعبر أراضي النيجر. 

المنتدى البرلماني الاقتصادي المغربي الموريتاني، إذن، ليس مجرد لقاء عابر، بل هو تجلٍّ عملي لتحوّل بنيوي في المنطقة، قائم على التعاون جنوب-جنوب، وتنمية الأقاليم الحدودية، وتكريس الرباط ونواكشوط كشريكين موثوقين في مشاريع استراتيجية تفرضها الضرورة والواقعية السياسية.

في زمن التحولات الإقليمية الكبرى، يبدو أن المغرب وموريتانيا قد اختارا سكة المستقبل: التعاون لا الاصطفاف، التكامل لا التصادم، وهو خيار عقلاني تفرضه الجغرافيا، ويعززه التاريخ، وتثبته الحاجة إلى الاستقرار والتنمية في فضاء الساحل والصحراء.

أضف تعليقك

300 / الأحرف المتبقية 300
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

تعليقات (0)

الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي ولو.برس

إقــــرأ المزيد