تابعونا على فيسبوك
تهريب جمهورية في حقيبة...!
بقلم: عادل بن حمزة
على مدى 49 سنة من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، سقطت الكثير من الأوهام والأكاذيب التي يروجها الإنفصاليون ومن ورائهم النظام الجزائري، لكن أكثر المتشائمين لم يكن يعتقد أن مسار "الجمهورية الوهمية" التي توجد في خيام فوق التراب الجزائري وبكل الشعارات الرنانة التي رفعتها منتصف السبعينات من القرن الماضي عن التحرير والاشتراكية، سوف ينتهي بها المطاف إلى مجرد يافطة مهربة في حقيبة يحملها انفصالي بجواز سفر دبلوماسي جزائري وذلك لحضور لقاء تحضيري لقمة "تيكاد9" بطوكيو و هي القمة التي تجمع الاتحاد الإفريقي واليابان لمناقشة قضايا التنمية والتعاون في القارة السمراء. الدبلوماسي الجزائري المزور دخل قاعة الاجتماع بصفته تلك وما أن جلس إلى طاولة الاجتماع حتى بادر إلى إخراج يافطة من حقيبته كتب عليها "الجمهورية الصحراوية" وقام بوضعها خلسة أمامه على الطاولة، ما اعتقد الدبلوماسي المزور أنه تم بسرية ونجاح، كان قد تم تسجيله بالكاميرات وشاهده مندوبي الدول الإفريقية وممثلي وزارة الخارجية اليابانية، ما كشف عن صورة هزلية تستدعي في الواقع الإنتباه إلى مأساة إنسانية مسكوت عنها تتمثل في احتجاز آلاف الصحراويين كدروع بشرية في مخيمات قرابة نصف قرن في ظروف لا إنسانية، ورغم أن سردية الانفصاليين والجزائر تصفهم باللاجئين، فإنهم لم يتمتعوا أبدا بأية حقوق للاجئين كما توضحها القوانين الدولية ذات الصلة وكما أكد على ذلك الأمين العام للأمم المتحدة وعدد من منظمات الإغاثة الإنسانية التي كشفت كيف يتلاعب قادة جبهة البوليساريو في المساعدات الإنسانية وفي أطفال المحتجزين...
في طوكيو وفي ذات الإجتماع، أكدت وزارة الخارجية اليابانية أنها لم توجه الدعوة لما يسمى "بالجمهورية الصحراوية" الوهمية لأنها لا تعترف سوى بالدول الأعضاء في الأمم المتحدة، القرار الياباني لا يمثل سابقة، بل يعتبر فقط تذكيرا بالموقف الذي اتخذته في القمة الأخيرة التي احتضنتها تونس سنة 2022 وانسحب منها المغرب وعدد كبير من الدول الإفريقية بسبب إصرار الرئيس التونسي قيس سعيد على حضور رئيس الجمهورية الوهمية دون أن يكون مدعوا للقمة. في يوليوز الماضي وحتى يتفادى الاتحاد الإفريقي مثل هذا الإحراج، قرر منع الجمهورية الوهمية من حضور اللقاءات الدولية الكبرى التي تجمع الاتحاد مع الاتحادات القارية والدولية والدول الكبرى التي ترتبط بعلاقات مع الاتحاد الإفريقي نظير القمم مع الصين وأمريكا وروسيا واليابان، وكوريا الجنوبية والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوربي وغيرها، إذ نص القرار بوضوح على أن أمر المشاركة في هذه القمم يقتصر فقط على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
قرار الاتحاد الإفريقي يوضح إلى أي حد أضحى وجود "الجمهورية الوهمية" ، مصدرا للازعاج والإحراج في علاقاته الخارجية وما يعنيه ذلك من تهديد لمصالح القارة الأفريقية خاصة في مجالات التنمية وفرص التعاون الاقتصادي، لكن الإحراج الأكبر الذي يجب أن ترفعه المنظمة الإفريقية، هو الاستمرار في خطأ تاريخي يعود إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي، حيث أسهمت أموال النفط والغاز الجزائري في التعسف على ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية خاصة في مادته الرابعة وتوظيف أمينها العام آنذاك أدام كودجو في ذبح قوانين ومساطر العضوية في المنظمة القارية وقبول كيان لا يتوفر على مقومات الدولة من سيادة وشعب وسلطة مستقلة، كعضو كامل العضوية.. كان ذلك واحدا من غرائب إفريقيا في زمن مضى وهو ما تسعى القارة اليوم إلى تصحيحه.
من الصعوبات التي واجهها أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية وسهل التغرير بهم للاعتراف بالجمهورية الوهمية سنة 1984، بالإضافة إلى دور أموال غاز ونفط الجارة الشرقية وأجواء الحرب الباردة، نجد أيضا حداثة الدولة في أغلب نواحي القارة، بل إن عددا كبيرا من الدول الإفريقية تعتبر مجرد إرث إستعماري، ذلك أن القارة لم تعش تقاليد قيام الدول في سياقات وطنية بل تم إحداثها بشكل قسري لخدمة مصالح الدول الاستعمارية، فتحولت حدود مناطق النفوذ الاستعماري إلى حدود بين دول، ضدا على الحقائق الإثنية والعرقية والدينية واللغوية والقبلية التي شكلت إرث أصيل للشعوب الإفريقية قبل وصول الجحافل الأوربية الاستعمارية التي تقاسمت مناطق النفوذ والثروات، وخلفت ورائها نزاعات لازالت تهدد استقرار القارة إلى اليوم.
عندما تم اختطاف قرار منظمة الوحدة الإفريقية وقبول الجمهورية الوهمية ضدا على أغلبية الدول الإفريقية، افتقدت المنظمة الشرعية للوساطة من أجل إيجاد حل لقضية المفتعلة حول الصحراء المغربية، ذلك أن المنظمة ناقضت نفسها، ففي الوقت الذي كان مطروحا على طاولتها تنظيم استفتاء في الصحراء بعد قبوله من طرف الملك الراحل الحسن الثاني علانية في قمة نيروبي 1981 حفاظا على الوحدة الإفريقية، قامت المنظمة بتهور باستباق النتائج والاعتراف التدليسي بالكيان الوهمي وهو ما جعلها طيلة قرابة خمسون سنة بدون أي دور في النزاع، ونجح المغرب فور عودته إلى الاتحاد الإفريقي في تكريس هذا الواقع عبر القرار رقم 693 الذي اتخذته القمة الإفريقية المنعقدة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط في يوليوز 2018 والذي أكد على أن الأمم المتحدة هي من تتولى حصريا الاختصاص في كل ما يتعلق بحل قضية الصحراء المغربية، وهو قرار منطقي مالم يبادر الاتحاد الإفريقي إلى طرد الكيان الوهمي وهو ما طالبت به 28 دولة أفريقية في رسالة موجهة إلى رئيس الاتحاد الإفريقي الراحل إدريس ديبي، خلال قمة كيغالي في رواندا في يوليوز 2016، دعت فيها إلى تعليق مشاركة “الجمهورية الوهمية” في أنشطة الاتحاد وجميع أجهزته “من أجل السماح للاتحاد الإفريقي بلعب دور بناء والمساهمة إيجابيا في جهود الأمم المتحدة من أجل حل نهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء”. هذا الأمر يندرج في إطار دبلوماسية مغربية نشيطة قلبت كل المعادلات والمعطيات التي استمرت على مدى عقود، وقد نتج عن ذلك بالإضافة إلى اعتراف الدول الكبرى بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ودعم مبادرته بمنح الحكم الذاتي لتلك الأقاليم، نجد توالي سحب الاعتراف بالكيان الوهمي إذ سحبت حوالي 60 دولة اعترافها، بعدما كانت 84 دولة تعترف بالكيان الوهمي قبل ثلاثة عقود فقط.
لقد تمثل الرهان السياسي لعودة المغرب إلى عائلته المؤسساتية الإفريقية المتمثلة في الإتحاد الإفريقي، في تصحيح الوضعية الشاذة للجمهورية الوهمية، فالمغرب لا يراهن على اعتراف دول الاتحاد جميعا بسيادته على كامل ترابه الوطني، بل أساسا عدم تكريس موقف مسبق من النزاع بخصوص الصحراء، حيث تمثل عضوية الجمهورية الوهمية في الاتحاد الأفريقي، أمرا مخالفا للجهود التي تبدلها الأمم المتحدة لإيجاد حل للنزاع المفتعل.
وهنا من المهم التذكير بما جاء في رسالة الملك محمد السادس لتقديم طلب المغرب الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي والموجهة إلى الراحل إدريس ديبي، الرئيس السابق لجمهورية تشاد، بصفته رئيسا للقمة السابعة والعشرين للاتحاد الإفريقي التي تم عقدها بالعاصمة الرواندية كيغالي، حيث أكد الملك محمد السادس فيما يتعلق بقضية الصحراء، على أن "إفريقيا المؤسساتية لا يمكنها بعد الآن، أن تتحمل أوزار خطأ تاريخي، وإرث ثقيل. أليس الاتحاد الإفريقي في وضعية تعارض واضح مع الشرعية الدولية؟ فهذا الكيان المزعوم ليس عضوا لا في منظمة الأمم المتحدة، ولا في منظمة التعاون الإسلامي، ولا في جامعة الدول العربية، ولا في أي هيئة أخرى، سواء كانت شبه إقليمية أو إقليمية أو دولية.".
فهل يسارع الاتحاد الإفريقي إلى تصحيح الخطأ التاريخي؟