• الفَجر
  • الشروق
  • الظهر
  • العصر
  • المغرب
  • العشاء

تابعونا على فيسبوك

خطاب جلالة الملك إلى القمة العربية-الصينية الأولى

السبت 10 دجنبر 2022 - 08:40

وجه جلالة الملك محمد السادس، يومه الجمعة 09 دجنبر الجاري، خطابا إلى القمة العربية - الصينية الأولى التي تستضيفها المملكة العربية السعودية، تلاه رئيس الحكومة "عزيز أخنوش".

وقال جلالة الملك، نعيش اليوم لحظة قوية في مسار التعاون العربي الصيني ؛ إذ تشكل القمة العربية الصينية الأولى، حدثا تاريخيا ومنعطفا مهما في العلاقات بين الجانبين. وهي أيضا فرصة سانحة لإضافة لبنة جديدة إلى صرح العلاقات التقليدية القوية القائمة بين العالم العربي والصين. فهذه القمة، بقدر ما هي مناسبة لإستشراف الآفاق المستقبلية للتأسيس لشراكة متميزة، فإننا نحرص على أن تحتل مكانة مرموقة في خارطة علاقات منطقتنا العربية مع مختلف شركائها، من دول وتجمعات ومنظمات إقليمية وقارية.

فهي تشكل كذلك يضيف جلالته، موعدا لإستحضار الأبعاد الحضارية، والروابط التاريخية، التي استندت على شبكة علاقات إنسانية وتمازج ثقافي مثمر، وتأثير إيجابي متبادل، في إطار طريق الحرير القديم. هذه العلاقات العريقة التي نسجت من خلال هذا التلاقح الثقافي والحضاري الذي امتد عبر الزمن، وربط الماضي بالحاضر، تستشرف المستقبل اليوم، في تعاون متجدد ومستمر، لعل أبرز تجلياته هو التعاون العربي الصيني القائم في إطار مبادرة الحزام والطريق. إن هذه القمة تنعقد في سياق دولي مشحون بالأزمات، التي خلفتها آثار جائحة كورونا، و التطورات الجيوستراتيجية الدقيقة التي يشهدها العالم وما صاحبها من اضطرابات وبؤر توتر ونزاعات مسلحة، لها أثر مباشر على منطقتنا العربية، وعلى شريكنا الصين وعلى كل دول العالم. وهو ما يعطي للشراكة الإستراتيجية بيننا أهمية خاصة، من منطلق أنها تتوخى تجاوز آثار هذه التحديات متعددة الأوجه.

إننا نسجل باعتزاز، حرص جمهورية الصين الشعبية الصديقة، على دعم الأمن والإستقرار بالمنطقة العربية، ومساندتها لتجاوز الأزمات التي تشهدها، والحد من تداعياتها، وذلك بما هو مشهود به للدبلوماسية الصينية من حكمة ورزانة، تسهم في التقريب بين وجهات نظر الفرقاء، وتغليب فضائل الحوار، لتجاوز واقع الإضطراب وعدم الإستقرار الذي تعاني منه بعض الدول العربية الشقيقة. وهنا نود أن نشير إلى أن ما تواجهه دول المنطقة العربية من تحديات تهدد أمنها واستقرارها، مرده في بعض الحالات، مع الأسف، إلى سياسات وسلوكيات بعض الدول العربية تجاه البعض الآخر. ومن هنا، وجب التشديد على أنه لا يمكن تجاوز هذا الوضع المليء بالمخاطر دون الإلتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية، والإمتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية.

ويعتبر دعم الصين الراسخ للقضية الفلسطينية العادلة، مكسبا دوليا ثمينا، من أجل إيجاد حل عادل ودائم لهذه القضية، في إطار قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها تلك المتعلقة بالقدس الشريف. وفي هذا الإطار، وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، لا يسعنا إلا أن نثمن عاليا دعم الصين الثابت للحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة، ورفضها لاتخاذ أي قرارات أحادية الجانب، من شأنها أن تقوض جهود إحياء عملية السلام، وإبعاد ملف القدس عن طاولة المفاوضات، وعزله عن ملفات الوضع النهائي. وهو ما سيزيد من توتر الأوضاع وتعقيدها، في الوقت الذي نسعى فيه، مع كل القوى المحبة للسلام، لتوفير الظروف الملائمة، لتغليب خيار السلام، وعودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لطاولة المفاوضات.

وأشار الخطاب الملكي، إلى أن العلاقات العربية الصينية تعرف تنوعا وتطورا على الصعيد السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي والإنساني، بفضل ما تزخر به من مؤهلات يجدر استثمارها بالشكل الأمثل للمساهمة في تحقيق ما يصبو له العالم العربي من نهضة اقتصادية حقيقية وتطور علمي وتكنولوجي، لاسيما من خلال إطلاق مشاريع تنموية، ودعم البنيات التحتية واللوجستيكية، والتنمية البشرية ونقل للتكنلوجيا. لكن، وبالرغم من أن الصين هي الشريك الاقتصادي الأول للدول العربية، إلا أن التبادل التجاري بين الجانبين، وإن سج ل مستويات جيدة من حيث الحجم والتنوع والكثافة، حيث ناهز 240 مليار دولار سنة 2020، فهو لم يرق بعد إلى مستوى المؤهلات المتاحة.

كما أنه يعرف عجزا كبيرا في الصادرات العربية نحو الصين، باستثناء الصادرات من النفط والغاز، مما يستدعي العمل المشترك من أجل تشجيع هذه الصادرات وتنويعها، لتكون قاطرة للنهوض بالاقتصاد العربي الصناعي والفلاحي والخدماتي. وعدد السياح الصينيين الذين يزورون الدول العربية، أقل من عدد نظرائهم العرب الذين يتوجهون إلى جمهورية الصين الصديقة، وهنا ندعو للعمل على رفع عدد السياح في الإتجاهين، لتحقيق ما نصبو إليه جميعا من مزيد التقارب والتواصل بين الشعوب العربية والشعب الصيني الصديق.

إن من بين ركائز السياسة الخارجية للمملكة المغربية تطوير التعاون جنوب - جنوب وتنويع الشركاء والإنفتاح على المجموعات الإقليمية، حيث تربط المملكة بعدد كبير منها علاقات صداقة وتضامن وتعاون مثمر، وبالخصوص تلك المنتمية لدول الجنوب. وفي هذا الصدد، نود التعبير عن ارتياحنا العميق لما يطبع العلاقات المغربية الصينية من صداقة تاريخية متينة، وتعاون مثمر في مختلف المجالات، ومن تنسيق وتشاور بناء، بخصوص مختلف القضايا ذات الإهتمام المشترك، وبما يتقاسمه البلدان من رغبة أكيدة وصادقة في تطويرها. وفي هذا السياق، نؤكد على انخراط المملكة المغربية في سياسة الصين الواحدة، كأساس للعلاقات بين البلدين الصديقين. كما أن دعمنا للمبادرات التي قدمتها الصين، "كمجموعة أصدقاء المبادرة الدولية للتنمية"، يعكس مستوى التعاون الوثيق بين البلدين الصديقين. ويحرص المغرب على المضي قدما في ترسيخ "الشراكة الإستراتيجية" المبرمة بين البلدين في ماي 2016، و"مذكرة التفاهم حول مبادرة الحزام والطريق"، وبالتالي توسيع آفاق التعاون الثنائي ليشمل قطاعات جديدة وواعدة وذات قيمة مضافة، للارتقاء بالعلاقات بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الصديقة إلى مستويات أعلى.

وقد أسهمت في احتضان وإنجاح المبادرات المهمة التي تمت بلورتها في هذا الإطار، وذلك لإيمانها بجدوى وبضرورة تعزيز وتقوية الشراكة الإستراتيجية بين الصين والدول العربية. كما تجدد المملكة المغربية اليوم، تأكيد استعدادها للإسهام الفعال في الرفع من مستوى هذه الشراكة الإستراتيجية، في جميع المجالات، في التزام دائم بالقضايا العربية العادلة والمشروعة، من أجل بناء نظام سياسي واقتصادي عالمي أكثر عدلا وتوازنا، وفي احترام تام لسيادة الدول ووحدتها الترابية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

وتابع أن المملكة المغربية تشيد بالمبادرات العربية الصينية التي سيتم تبنيها في إطار هذه القمة، وتؤكد استعدادها للإسهام بكل جدية وتفاعلية فيما سيتضمنه "إعلان الرياض" من توصيات، بغية الرقي بالشراكة الإستراتيجية العربية الصينية، ووضع أسس قوية لبناء مستقبل مشترك يضمن سبل التعاون البيني، وتشجيع الإستثمار وتأهيل الإقتصاد وتحسين أدائه، والنهوض بواقع الإنسان العربي، والإنخراط في مجتمع المعرفة والإتصال. ولا يفوتني بهذه المناسبة، أن أجدد الإعراب عن فائق اعتزازي بعمق الروابط القائمة بين المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية، وبمتانة علاقاتهما الثنائية؛ مشيدا بما يجمع البلدين الشقيقين من شراكة نموذجية، قوامها التشاور البناء والتضامن الفعال، والتعاون المثمر في مختلف المجالات الإستراتيجية.

كما أعرب عن اعتزازي بما يربط الأسرتين الملكيتين من أواصر الأخوة الصادقة والتقدير المتبادل، وما يتقاسمه الشعبان الشقيقان من مودة وصداقة. وفي الختام، أود أن أجدد شكري الخالص للمملكة العربية السعودية، قيادة وحكومة وشعبا، على حسن الإستقبال، وعلى ما بذلته من جهود لتنظيم وإنجاح هذه القمة، لتحقيق ما نصبو إليه جميعا من ترسيخ أسس شراكة حقيقية، تخدم السلام والإستقرار، وتنتج التقدم والرخاء المشترك.


إقــــرأ المزيد